\”هو أي هجوم والسلام؟ \”، \”خلي بالك بلاش الجرأة الزيادة\”، \”كفاية اعتراض وشوفوا شغلكم\”، تنهمر هذه الكلمات والعديد من أشباهها أيضًا على مسامع أغلب من يحاولون التعبير عن استيائهم تجاه مواقف معينة يتخذها النظام الحالي وحكومته، بالرغم من أن هذا التعبير قد يكون فقط عبارة عن صورة أو post على مواقع التواصل الاجتماعي. وهذه الكلمات -في الأغلب- ما تخرج من أصحابها على هيئة نصائح حتى لا يتعرض الشخص المعترض هذا إلى أي موقف مؤذٍ من قِبل النظام. ولكن الشرطة المصرية لفتت الأنظار إلى أمر هام، ليس مرة واحدة، بل ثلاث مرات خلال هذا العام فقط، وذلك عند قتلها بائع الشاي، ثم تعذيبها للطالب أحمد مدحت حتى موته، وأخيرًا مجدي مكين الذي تعرض لتعذيب وحشي في قسم الأميرية، تعذيب أفضى إلى موته أيضًا.
ثلاثة سيناريوهات متشابهة دفعتني إلى أن اتساءل: كيف يسلك أي مواطن عادي، كالذين قتلتهم الشرطة المصرية، هربًا من التعرض لهذا المصير المجرد من الإنسانية؟
حرصت أشد الحرص أثناء قراءة وسماع تفاصيل تعذيب مجدي مكين والآثار التي وُجدث على جسده من قِبل أهله، ألا اغمض عيناي حتى لا اتصور المشهد في خيالي، ولكن بعدما توالت صور جثته على المواقع الإخبارية، اتضح لي أنه أحيانًا قد تعجز الكلمات عن تجسيد المشهد كما هو بالفعل، فقد عجزت الكلمات حقًا هذه المرة عن تجسيد ما تعرض له مجدي مكين من تعذيب وحشي. فاصطدم عقلي بسؤال -قد يوحي بالعجز- ولكن أعتقد أنه نتيجة طبيعية بعد مقتل وتعذيب مواطنين دون ذنب على يد رجال الشرطة، وهو: \”إيه اللي يرضيكِ يا حكومة؟\”، متى ستعلنين رضاكِ على المواطن العادي والمفترض أن حمايته هي همك الرئيسي وليس صعقه وإهانته، ما الشروط التي يجب توافرها كي نفلت كمواطنين من إجرام داخليتك يا حكومة؟ اسمحي لي أن أخمن ما الذي يرضيكِ يا حكومة، من وحي خبرتي الناتجة عن تعدد حالات التعذيب، بل والقتل أيضًا على يد أفراد شرطتك.
أيرضيكِ مثلًا أن تُعَد حالة مجدي مكين حالة فردية كما اعتدنا؟ أم يرضيكِ تأليف سيناريو محكم وساذج بشكل كافٍ كي يحول المجني عليه لجاني، والعكس صحيح؟ أم يروق لكِ إسكات كل من يرفض تهميش الحقيقة بشتى الطرق؟
كلما تعددت حالات القتل والتعذيب تلك، كلما تأكد لنا أنه ليس شرطا أن تكون ثوريا أو إخوانيا كي يصبح مصيرك كمصير مكين.
حاولت أن أقحم بُعدا قانونيا لتلك المسألة أملًا في ألا يكون القانون عاجزا أمام وحشية الداخلية كمعظمنا، حيث إن الدستور المصري يُجّرم \”التعذيب\” ويجزم أن هذه الجريمة لا تسقط بالتقادم وذلك في المادة (57) التي تنص على أن \”الدعوى الجنائية أو المدنية الناشئة عن التعذيب لا تسقط بالتقادم\”، لكن السؤال هنا: هل هناك مواد في الدستور توضح مصير الجاني في حال كان ضابط شرطة مثلًا؟ وأين القوانين التي من المفترض أن تكون بمثابة دعم لموقف الدستور المصري من جريمة التعذيب؟
مصير مكين أصبح لا يبعد عن أحد، فعلينا ألا نتخفى أكثر من ذلك وراء ستار التبريرات الكريه، قد يستغرق حتى البحث عن تبريرات لجرم الداخلية مجهودا، يفوق المجهود الذي من الممكن أن نبذله حتى نواجه محاولات تدليس الحقائق واختلاق سيناريوهات وهمية، ونطالب بحقنا في أن نحيا في ظل القانون، حيث إن ذلك أفضل بكثير من انتظار خالد سعيد جديد، عصام عطا جديد، أحمد مدحت جديد، وأخيرًا \”مكين\” جديد.