عزيزي القاريء.. احذر فهذا المقال أسود! لكن سواده مطلوب كما العسل.
وبتشبيهي هذا، أنا لا أعطيك أي ذرة أمل أو حتى أطبطب على ظهرك حتى تفيق و\”تفرفش\”، فالسطور القادمة سوداء \”عليك وعليا\”.
بعد تحليلي لعام 2016 وجدت أننا مذنبون، مخطئون ومغفلون!
كما اتفقنا في مقال الأسبوع الماضي تحت عنوان: \”٢٠١٦.. طب إيه؟\”، أن ما نمر به هو حالة اكتئاب عامة مشتركة، ولكن تلك المشاركة لم تأت بالأثر الإيجابي لمثيلاتها من التجارب أو المِحن التي تعيشها المجموعات معا، فـ\”الحِمل\” الكامل المجمل، يحمله كل فرد منفردا، بالرغم من كون زميله المجاور يحمل نفس ذات الحِمل.
ومن هنا تظهر أولى أعراض الاكتئاب المصري.
أوهام النجاح:
معظمنا –أو دعنا نوسع الدائرة ونقل إن جميعنا– يضع أهدافا محددة لنفسه بمخطوطاتها، دراسة جدواها، والجدول الزمني لتنفيذها، مع كامل إيماننا بأن الأخير عرضة للتغير، نظرا للنظام الروتيني الحكومي الذي \”كَرَفَ\” على طابعنا متمثلا -على الأقل- في عدم الإلتزام بمواعيد لقاءاتنا مع الأصدقاء، وما خفي من أمثلة كان أعظم.
تلك المخطوطات والدراسات، بمجرد انتهائك منها و\”تبييض\” كافة تفاصيلها، حتى تراها قطعا من الورق المجمع والمطبوع، أو حتى المكتوب بخط اليد، تشعر بسبب ما بذلته من جهد أو وقت في سبيل الاستقرار على هكذا خطة، أنك \”أنجزت\”، وهو تحديدا المصطلح الخاطيء تماما، بل أحد المصطلحات الخطرة وشديدة الاشتعال التي قد تلهب كافة مخططاتك وتنثرها هباءا، فالإنجاز مصطلح يتعلق بالخطوات، لا بمقدمات أو معطيات الخطوات، فإذا أردت أن تنشر أولى كتاباتك في معرض الكتاب، أنت تظن أن عليك أن تكّون علاقات في مجال النشر والتوزيع، وهو الأمر المنافي للواقع العملي، ذلك الواقع الذي يفرض عليك أولا أن تحدد مميزاتك وسلبياتك في مهارة الكتابة، وبالتالي تقوم بالبحث عن أهم المراجع التي من خلالها تستطيع أن تنمي المهارة وتعالج السلبيات، والخطوة الثانية التي تكمن في تحديد نوع الأدب الذي تهتم به أولا، والذي يؤهلك أن تكتب في خانة الوظيفة على الـFacebook حتى يصبح يوم توقيع كتابك في معرض الكتاب بمثابة life time event صادقا، وليس مجرد post يدعو لمباركات الأصدقاء، تلك المباركات التي وقتما تلقيتها تتوقف لأول فيمتو ثانية لا تعلم شعورك تجاهها، ثم \”تقرر\” أن تبتهج بها، فإن مررت بهكذا لحظة، توقٌف فإعلم أنك في قرارة نفسك تؤمن بأن هذا ليس بإنجاز، لأنك تعلم أن هذا الإنجاز كان يحتاج عملا وإتقانا أكثر من ذلك، ولكنك أردت أن \”تفرح بقى وتبل شربات\”. ففرحة الإنجاز ليست بقرار، هي رد فعل طبيعي لمجهود عمل العقل المنعزل عن أي تفكير في نتائج عمله، فهو منشغل تماما بإتقان المهمة الصغيرة التي يؤديها في اللحظة الراهنة دون إضاعة الوقت في تخيلات مرحلة تصفيق الجمهور.
وعلى جانب مجاور جدا من تلك الحالة، عليك عزيزي القاريء أن تستيقظ لفكرة أن التهليل بالشعارات الخاصة بالإصرار والكفاح والمعافرة ليست كافية لجعلك في مصاف الناجحين، لأنك إن قررت أن تتبنى ما تدونه وتصرخ به من مباديء إنسانية أو \”كفاحية\”، فعليك أن تجعل من أعمالك مذياعا صارخا لها، قبل أن تطبعها على ميدالية مفاتيح بيتك، فالفشل الحقيقي هو إلزام ذاتك بمباديء \”صوتها\” يدل على القوة واكتمال معايير النجاح، وأنت لا تطبقها، وأعلم أنك في كل لحظة ستواجه مواقف تذكرك بـ\”جٌمل\” مبادئك تلك، وتصدم بها، فتكون في تحد حقيقي بين الإبقاء عليها –ونعني هنا تنفيذها عمليا– أو الإختباء منها، ليس بالصورة الساذجة للإختباء الطفولي، فالـ\”فهلوة\” المصرية ستجعلك تختلق من الأعذار والأسباب التي يعد \”صوتها\” أيضا جِلجالا، مما \”يسكّن\” شعورك بالتقصير في حق تلك المباديء، مما يزعزع ثقتك في إنجازاتك، هذا إن لم تستمر في تسكين مواجهتك الإنسانية بذاتك، مستخدما ما اختلقته من أعذار واهية، وذلك في كل مرة تصدم بمواقف لزعزعة تلك المباديء.
وهو ما وقعت به أنا شخصيا من فخ، ولكن فخ إيماني ببعض الأصدقاء المتبنين لمباديء إنسانية دافئة وعارمة القوة.
ذلك الصديق الذي كلما صعد إلى خشبة المسرح، كان يتخذ من دقائق \”وقته\” عليها، منبرا شامخا صارخا بتلقين الشباب الحاضر دروسا في القوة، الثقة، الإنسانية واحترام الكلمة.
ذلك الصديق الذي ظل طوال الوقت مؤمنا بسبب تقدمه علينا بالعامين بعد الثلاثين، بأنه \”لف ودار\”، وأنه العالم ببواطن البشر على اختلاف شخصياتهم، فإتخذ من خبراته تلك سببا كافيا لحجب عضو البصيرة لديه عن أي فرصة للتعلم، فرصة لمعرفة أنواع جديدة من الإنسانية.. الإنسانية التي تتسع لتشمل نماذج أوسع من نموذج الإنسانية الذي اخترعه لكي يحمي روحه من أي جرح أو خدش من شرور وغدر البشر.
فخ أوهام النجاح قد وقع فيه عندما ظن أنه \”تعب\”، واكتفى بما مر به من خبرات حتى يحكم ويعدم البشر في عالم الإنسانية!
جعل من نفسه حاكما مختارا -لا يُعزل- من عرش الإنسانية، منفردا بإصدار تصاريح دخول أفراد من البشر إلى هذا العالم، وهو الأمر الذي وقع بالفعل، بعيدا عن مصطلحات الإنسانية الرومانسية، عندما واجهت أنا شخصيا العديد من مواقف النفاق و\”التلسين\” من أصدقاء مشتركين، بل محاولات ومساع منهم لإلحاق الأذى ببعضهم البعض، بل وصل الأمر لمحاولات من هؤلاء المشتركين لأذيته هو شخصيا، عندما بدأت تلك المحاولات بإقدام هؤلاء الأشخاص لتقديم أنفسهم لي بمجرد علمهم بصداقتي الطيبة بهذا الصديق، حيث تلحق جملتهم التعريفية بأنفسهم بجملة مليئة بالإساءة والتجريح في هذا الصديق، تلك الجمل التي –مع مرور الوقت– اتخذت طابع الحدة والوضوع لتصل إلى أفعال دفعتني لإلغاء تواصلي وعلاقتي بهكذا وسط، الوسط الذي طالما كنت تجلس على مقعدك في أحد المسارح بجوار أحدهم، وصديقه واقفا على المسرح مقدما أحد عروضه الكوميدية، التي ينقطع استمتاعك بها بسبب تعليق سلبي من جارك قائلا: \”على فكرة.. الإفيه د ده بتاعي\”، أو \”لعلمك.. ده سارق الmaterial مني\”، ثم ينهيها بضحكة ويقف مصفقا لـ\”صديقه\” الواقف على الخشبة كما لوكان \”هيموت من الضحك\”، ليهرول نفس الشخص مسرعا نحو \”صديقه\” ليخنقه بالأحضان والتهاني: \”كان show جامد يا معلم.. أنت فاااجر.. عاش\”!
والثاني ليس بـ\”غلبان\”، فهو يقوم بذات الأمر إن حضرت سيرة الآخر في أي نقاش مشترك معي!
ونظرا لأنه وسط \”مبدع\”، فكان من الحتمي أن يستغلوا من إعلاني لموقفي في مقاطعتهم، وسيلة لدس السم في صداقتي مع قائدهم، فعلى حد قول الأخير قد قاموا بخلق المزيد من الجمل المؤذية والـ\”الملهبة\” لأي عداوة تحت بند \”التسخين\”.
والأخير لم يكّذب خبرا، فقرر أن يقع مرة أخرى –كعادته- فريسة لوهم نجاحه في فهم البشر، فاتخذ هو -الآخر- وسيلة للتواصل مع أعضاء هذا الفريق (الوسط) ليعملوا على إيصال موقف \”حاد\”، \”قاطع\” و\”جازم\” منه تجاهي، معاقبا لتصرفي في المقاطعة. فهو \”عمدتهم\” فلا يقبل أن يهان!
لكن هنا يكمن جوهر النجاح على المستوى مثال إنساني، فالجوهر في الفيصل بين نظرتي ونظريته للإنسانية. فهو وجد أن الإنسانية تعني رد \”الشك\” في محاولة الغير لأذيته بضرب النار.. بعبارة عامية \”شكيت إنها هتخبط كتفي، فقطعت له إيده\”! وهذا قمة الضعف البشري، فإن قررت –وفقا لكتاباتك ونصائحك لجمهورك من الشباب– أن تعيد للأرض المفهوم الحقيقي للإنسانية، فعليك أن تظل ثابتا في مواجهة \”الشك\” الذي اعتلى مشاعرك المندفعة، حتى تستطيع استقراء الوضع بالتنسيق مع ما قررته من صداقة أو وجهة نظر في من في مواجهتك، ولكنه خشى احتمالية الأذى لذاته، فقرر الإقدام بالعناد والموقف الطفولي just in case.
أما أنا، الطرف الأكثر تعرضا للأذى فعليا، فقد قاومت كافة \”هلاوس\” الكبرياء والعند، بل وحواجز المكائد التي اختلقها هؤلاء (أعضاء الوسط لدس السم في تلك الصداقة) وتواصلت شخصيا معه لحل هذه الأزمة، تلك الخطوة التي اتخذتها وأنا اعلم أنه أيا كانت نتيجة هكذا لقاء، فأنا اعلم أنه لم يعد لي صديق أو حتى زميل، ولكن ما كان يعنيني حقا هو مروري يوما بأحد الشوارع والالتقاء مصادفة بهذا الشخص وقيام كلا الطرفين متعمدا بتغيير اتجاه سيره.
الأمر الذي لا يحدث إن رأيت شخصا لا تعرفه حتى، فكيف لمفهوم الإنساينة أن يغدو ذا معيار أغنى في مواجهة الغريب، من معيارها في مواجهة من جمعكم معهم -يوما ما- حديث طيب؟
ومن هنا اتخذت خطوتي دون أي ندم، بالرغم من النتيجة التي علمتها، بل قررتها من البداية.
لكن، لِمّ كافة أمثلتي عن النجاح في تلك السطور تتخذ دوما منهج الحديث عن الصداقات؟!
الإجابة تكمن في إتصال هاتفي، قاطع كتابتي لتلك السطور من أحد المراكز الثقافية، الذي يجمعني بعمل واحد مشترك مع هذا الصديق السابق. ولكن!
فتش عن المرأة/كائن \”اللولاش\” اللزج.
(يتبع)