كما تعودنا ممن هم محسوبون على الدولة أو مداهنو السلطة؛ تعودنا الهجوم الدائم على الشباب الذي قرر أن يحلم بوطن متقدم، وقام بثورة على طاغية عتيد كمبارك ومن خلفه، فيخرج علينا كل يوم من يتهم هؤلاء الشباب بأنهم خونة أو مغيبو العقول أو متآمرون على الوطن أو شواذ أو فسقة، وسيل الاتهامات المعروف، مع إنكار تام لأي شيء جيد قام به هؤلاء الشباب.. تلك أصبحت عادة يومية من مداهني السلطة وأبواقها الإعلامية، وأحيانا السلطة نفسها بشكل رسمي.. أصبح المواطن المصري البسيط يتعامل معها كحقيقة مسلم بها.
حتى خرج علينا الفنان محمد صبحي بتصريح عجيب حين قال: \”الشباب اللي عنده ٢٠ سنة إدّى مصر إيه علشان يزعل منها\”؟!
توقفت طويلا عند هذا التصريح العجيب!
ماذا قدموا؟
لن أنجرف إلى المزايدات على المواقف، ولن أخوض في نوعية أو جودة محتوى فن محمد صبحي، لكن – للأسف – لم يقدم لهذا البلد أحد شيئا يستحق الذكر من بعد حرب أكتوبر إلى الآن، سوى هؤلاء الشباب \”الـ ٢٠ سنة\” الذي خرج في يناير ٢٠١١.
الحقيقة أننا أمام مشكلة معقدة؛ وهي أن معظم جيل محمد صبحي ومن بعده، هي أجيال تكرهنا؛ ليس لأننا شباب وهم كهول، وجدلية صراع الأجيال المعهودة.. لا؛ الحقيقة أنهم يكرهوننا لأن أغلبهم غير محقق لأي شيء، ولم يقدم أي شيء لهذا البلد سوى السكوت.. جيل رضخ للسلطة والقدر والنظام وأشبعهم انبطاحاً، وانعدم منه الطموح والإنجاز.
جيل في أغلبه ضيق الأفق، مشوش الإدراك، شبه منعدم الوعي، قضى عمره كله يشاهد مصر وهي تُدمر بالكامل اقتصاديا واجتماعيا وسياسياً وثقافياً، وعلى كافة الأصعدة أمام عينيه وعجز حتى عن استيعاب كم الكوارث التي تحدث، بل يعتبرها انجازات وانتصارات وريادة! طب بأمارة إيه؟ أصّل لنظرية \”إن لم تستطع مقاومة الاغتصاب فاستفد منه\”.. فأخذ يداهن السلطة ويأكل على كل الموائد ليحقق مكاسب شخصية على حساب غيره، وأن مفتاح النجاح هو المحسوبية و\”حاكلملك عمو\”، وأن الوطنية هي الانصياع للحاكم!
جيل نسف مفهوم الكفاءة والتخصص لصالح مبدأ الثوريت، حتى وإن كان الورث هو رئاسة الجمهورية.. جيل خرّب الوعي العام بأعمال سطحية لا تحقق أي عمق، ولا تثير قضايا حقيقية، وتجهيل المتلقي بقضايا وطنه الملحة وتغليفها برداء القيم والمثل الفاضلة، وأن البلد سينصلح حالها إذا شربنا اللبن قبل النوم، وسمعنا كلام بابا ونيس!
ما وصلت إليه مصر هو نتاج ما قدمه جيل محمد صبحي، ومن خرّبوا عقولهم وضمائرهم من الأجيال اللاحقة بفسادهم، وخلقهم لأجيال من المتواكلين، فاصبحت مصر في ذيل العالم.. أورثونا الجهل والتطرف والعشوائيات وانهيار الأخلاق والتحرش والفساد وانهيار التعليم والصحة، وكافة مرافق الدولة، وتحولت مصر من دولة رائدة إلى وطن خرب يأكل أبناءه.
إن صمتك ومداهنتك للسلطه أياً كانت، أورثنا وطنا متهالكا على حافة الانهيار، فلماذا تلوم من أراد هدم هذه \”الخرابة\” لبناء وطن نسطيع العيش فيه بكرامة؟
إن الشباب \”الـ ٢٠ سنة\” لم يجد ما يقدمه لمصر سوى حياته وحريته المقيدة ليضحي بها، سواء شهيدا أو مصابا أو معتقلا من أجل مصر؛ ليست مصر التي دمرتموها، بل مصر التي في خاطرنا وأحلامنا.. مصر الرائدة المتقدمة، مصر التي تعامل مواطنيها بكرامة.. مصر التي لا يُقتل أبناؤها في الأقسام والسجون من التعذيب أو في المظاهرات.. مصر التي يكون المعيار الأول فيها للكفاءة، لا قطعتين من النحاس على بزة عسكرية.. مصر التي تحاسب المخطىء وتحاكمه بقانون عادل لا قانون المكالمات الهاتفية، وحاكلملك القاضي.. مصر التي تعمل حكومتها من أجل مواطنها البسيط، لا رجال أعمال السلطة والمستثمرين الأجانب.. مصر التي ترعى المتفوقين والكفاءات، لا أبناء القضاة وكبار الضباط والوزراء.. مصرنا لا مصركم .
إن الشباب \”الـ ٢٠ سنة\” هو من يصرخ في الشوارع من أجل الحريه؛ فتقتله وتعتقله السلطة وترمي به في غياهب السجون، وهم من يستشهدون على الحدود وفي سيناء على يد متطرفين؛ خلقت وجودهم السلطة التي تداهنونها، وهم من أرسلتموهم لليمن نظير بعض من أرز الخليج.
السؤال الملح ليس \”ماذا قدم الشباب لمصر\”، بل ماذا قدمت عائلة ونيس لمصر؟