مقال عن تجربة حقيقية*
\”الأنوثة ليست عيبًا\”. هذا ما وجدت الشجاعة لكي أواجه به نفسي أخيرًا، بعد سنوات طويلة قضيتها عالقة داخل جسد الذكر الذي ولدت فيه. فقد ولدت ذكرًا، وتربيت ذكرًا، وعشت حياتي بالكامل في دور الذكر. بينما كان العقل دائمًا عقل أنثى، والروح روح أنثى، والأحلام والمشاعر والأفكار كلها تنتمي لأنثى. والأوجاع. الأوجاع أوجاع أنثى.
عاشت حياتها كلها تحمل دور الذكر على عاتقها، دون أن يشعر أحد أن هذه مجرد قشرة، وأنها ليست ذكرًا في الحقيقة.
أصحو كل يوم من حياتي أرتدي القناع، لأقوم بالدور المنوط بي القيام به، متحرية ألا تبدر مني أي التفاتة، أو كلمة، أو نظرة قد تشي بالحقيقة. هذا وإلا طاردتني اللعنات والسخريات ووصمات العار إلى أبد الآبدين: منحرف. شاذ. عايز يبقى مرة. جرثومة يجب اقتلاعها من المجتمع.
هل فهمت شيئًا؟ مش مهم. مش لازم تفهم.
ولدت هكذا. لا أفهم ما هذا، ولا أعلم من أنا في الحقيقة. وعندما بدأت أعي للحياة بدأت البحث: ما هذا الذي أعاني منه؟ ما اسمه؟ وكيف يمكن الخلاص منه؟ بحثت وبحثت وما وجدته كان جد مخيفًا لي وقتها: شئ ما يدعى \”اضطراب الهوية الجنسية\”، أو كما يسميه الخواجات \”جندر ديسفوريا\”. وهو اضطراب يولد به الإنسان كعيب خلقي، يجعل الهوية الجنسية للعقل مغايرة لهوية الجسد. عقل أنثى وجسد ذكر. لا علاج له. يولد به الإنسان ويموت به. يعيش صاحبه (أو بمعنى أصح: \”صاحبته\”) في عذاب مقيم. يقضي على حياتها تدريجيًا إلى أن ينهيها في النهاية غالبًا بالانتحار. والحل الوحيد الذي توصل له الطب هو تغيير الجسد ليتماشى مع هوية العقل، حيث إن تغيير العقل مستحيل، حاول الأطباء على مر العصور ولم يجدوا في النهاية حلًا غير هذا، عملية جراحية لتغيير نوع الجسد، أو كما يحلو للكثيرين أن يطلقوا عليها عادة: \”عملية التحول الجنسي\”
وهنا توقفت. تحول جنسي؟ يعني زي سالي كده؟ يا نهار أسود. دول يموتوني. لم يكن لدي النضج الكافي، ولا الشجاعة الكافية كي أواجه نفسي بالحقيقة: إنني امرأة. امرأة؟ يا لهوي! من سوف يتقبل شيئًا كهذا؟ لا. أنا راجل. لا ده أنا راجل أوي كمان. نعم، فالدين يقول إن الله خلق الذكر ذكرًا والأنثى أنثى لكي يتزوجا ويعمرا الأرض، هذا هو الغرض من الحياة، وإن تغيير خلق الله من عمل الشيطان، ولعن الله المتشبهين بالنساء. نعم. وهذا من هوى النفس الذي تجب مجابهته، فجهاد النفس هو الجهاد الأعظم كما تعلمون.
بس. اقنعت نفسي بهذا وبدأت في ارتكاب الكوارث. علاقات أحاول من خلالها أن أثبت لنفسي أنني ذكر. أدفع نفسي دفعا لممارسات جنسية بائسة، لا استطيع اتمامها إلا بصعوبة شديدة، عن طريق تخيل نفسي مكان الطرف الآخر. زواج فاشل ورطت فيه امرأة أخرى. طلاق مروع. زواج مرة أخرى. امرأة أخرى تتورط. طلاق آخر. ولا يزداد الأمر إلا سوءا. الاضطراب يزيد. ولا أحد يشعر. تتحقق النبوءة العلمية: الاضطراب يقضي على حياتي تدريجيا ويدفعني للانتحار. آذيت الآخرين وآذيت نفسي. هل الله راضٍ هكذا؟ لماذا كل هذا؟ لأن المجتمع لن يتقبل؟ لأن أهلي لن يتقبلوا؟ فليذهبوا جميعًا إلى الجحيم. كفاني ظلمًا لنفسي ولغيري. أنا لست رجلًا. نعم. أنا امرأة. امرأة. ولا عار في ذلك.
قررت أخيرًا أن أبدأ العلاج تمهيدًا لإجراء الجراحة. نعم؟ ما هو العلاج؟ أعذرني، هذا ليس من شأنك.
المهم. مع بداية العلاج بدأت في التعرف على زميلاتي في الحالة والمعاناة، أولئك المحبوسات في أجساد الذكور. ويا لهول ما وجدته وسمعته من قصص. قصص تبدأ بالإهانة ولا تنتهي بالقتل، وما بينهما من تحرش، وتشرد، وإرهاب، واغتصاب، واكتئاب، وانتحار، واستغلال، وقضايا، وحبس، وطرد من المنزل والعمل. اضطهاد من الجميع، من الدولة والدين والمجتمع والمؤسسات والأسرة وأي حد معدي. يكفي أنك تجد نفسك وقد أصبحت فرجة للآخرين. في مجتمع يعتبر الذكورة ميزة والأنوثة عارًا. وصمة تلاحقك أينما حللت. تجعلك مستباحا للجميع. وربما أسمعك تسأل الآن: ما الذي يجبرنا على ذلك. لماذا لا نتعايش مع الدور الذكري وخلاص. صح؟
يبدو أنك لم تقرأ جيدًا ما كتبته لك. نحن نساء. نساااااء. ولا نستطيع القيام بأي دور آخر. ولا نرغب في شئ سوى ما ترغب فيه أي امرأة أخرى (على ضآلته وبؤسه في هذا البلد)، بل إن طموحاتنا للأسف أقل بكثير.
هل تعاطفت قليلًا؟ مش مهم. مش ضروري تتعاطف.
\”أين تقع الهوية؟\”، تلك هي المسألة. أنت ترى الهوية بالتأكيد في أعضائك التناسلية. كلنا تربينا على ذلك. وتلك هي المشكلة. فإن العلم قد توصل إلى أن الهوية مكانها العقل وليس الأعضاء، ولهذا فإن العلم يحاول أن يساعدنا، ونجح في ذلك، لكنك بالطبع لا تؤمن بالعلم وهذا الكلام الفارغ، فالهوية لازال مكانها في أعضائك التناسلية، ولهذا فأنت ترى غالبًا أننا مجموعة من المنحرفين كان يجب أن نتواءم مع أعضائنا، ولتذهب عقولنا، وهوياتنا، بل وليذهب العلم إلى الجحيم. علم إيه يا راجل بلاش كلام فارغ، دول عالم كفرة. لكننا -شئت أنت أم أبيت، اقتنعت أم لم تقتنع- أشخاص حقيقيون، لسنا زائفين، ولا ندعي كوننا شيئًا آخر غير الذي نحن عليه. نحن لسنا \”دكورة\”، ولا يعنينا أن نكون كذلك، فتلك لعلمك ليست ميزة على الإطلاق. نحن نساء. تلك هي حقيقتنا الصعبة التي لا نخجل منها، رغم كل ما نعانيه بسببها، فنحن لدينا الشجاعة الكافية لمواجهة أنفسنا بما نحن عليه، بل ولدى الكثيرون منا الشجاعة لمواجهة الجميع بذلك. تلك الشجاعة التي يفتقدها المجتمع، والتي ربما يضطهدنا بسببها، لأنها تذكره بجبنه، وبخوفه من مواجهة نفسه.
وفي النهاية نحن لا نطلب منك أن تفهم، أو تتفهم، أو تتعاطف. كل ما نطلبه أن تتركنا لحال سبيلنا. فلا داعي لاضطهادنا كلما قابلتنا في الرايحة والجاية، فنحن لم نفعل لك شيئًا.