مها محمد تكتب: ديسفوريا (١).. صراع الهوية

\"\"

\”أنا حاسس إني ست لأني حاسس إني ضعيف\”
نعم.. لابد أن هذا هو لب المشكلة. إحساسي بالضعف لابد أنه هو ما يجعلني أشعر بأنني أنثى، فالأنوثة ضعف بكل تأكيد، على هذا تربينا، وهكذا علمونا. إذن فعلي أن أتخلص من هذا الإحساس بالضعف وسوف يصبح كل شئ على ما يرام، سوف أتخلص من الإحساس بالأنوثة وسوف أصبح ذكرًا بعدها وأستكمل حياتي بهدوء في دور الذكر اللعين. العنف. نعم، فالعنف قوة، والقوة ذكورة، يجب أن أكون عنيفة. آوه. \”. عنيفًا\”. يجب أن أكون عنيفًا. ممارسة العنف الذكوري المتوحش البغيض سوف تجعل مني رجلًا بالتأكيد، بعض الرياضات العنيفة سوف تساعد، الملاكمة، التايكوندو، الكاراتيه. ورغم أن هناك إناثًا يمارسن نفس الرياضات إلا أني لم أعر الفكرة اهتمامًا. القوة هي الحل يعني القوة هي الحل. حصلت على الحزام الأسود في الكاراتيه، والأسود في التايكوندو. مارست العنف بكل أشكاله الممكنة، لكن، هيهات، لم يغّير هذا من الأمر شيئًا. أنا أنثى.
إذن فهو النجاح. نعم. النجاح والتحقق في الحياة سوف يجعلان مني أسدًا. هكذا يقول \”بتوع\” التنمية البشرية. أنا أعمل في وظيفة أكرهها منذ إثني عشر عامًا. أشعر بالفشل وعدم التحقق والكثير الكثير من الظلم حولي في كل مكان. وعليه، قمت بالاستقالة مفجرة من حولي ثورة عارمة. حد يسيب وظيفة زي دي! إيه الجنان ده! ألقيت بنفسي وبأسرتي (نعم. لقد كان لدي أسرة وقتها) في مهب الريح، بلا أي مورد أو دخل، واجهت المجتمع والدولة مواجهة عنيفة، مواجهة يخشى أشنب الشنبات تشنبًا من مجرد التفكير فيها، واتجهت لأفعل ما أحب، والغريب -صدقي أو لا تصدقي- نجحت في هذه المواجهة المتهورة، التي صار ينظر إليها الجميع بانبهار وبإعجاب وبالحقد أحيانًا. وحققت نجاحًا لم أكن اتخيل تحقيقه سوى في أحلامي. نعم. تستطيع الذكورة الآن أن تنفجر بداخلي.
لكن! لكن هذا لم يحدث. أنا ست برضه مفيش فايدة.
قلت لكِ إنني كان لدي أسرة. علي أن أكوّن أسرة مثل أي رجل أنتِ تعرفين. وقد كان. كانت زيجة فاشلة تمامًا بكل المقاييس. لم أخدع شريكتي من البداية، قلت لها قبل زواجنا إنني أعاني من شئ يدعى اضطراب الهوية الجنسية، كانت متعلمة بشكل كافٍ جدًا لكي تفهم، لكنها لم تعبأ، أو ربما لم تأخذ الأمر على محمل الجد، وعندما بدأت أعراض الديسفوريا المخيفة تظهر أمامها، كانت تدفعني لمواجهتها باعتبارها شذوذًا عن الفطرة \”الدينية\” السليمة، مما كان يصيبني بالجنون، تحملت معي صدقًا الكثير والكثير من العذاب، لكنه كان عبثًا يجب أن ينتهي. دمرنا بعضنا البعض بما فيه الكفاية وكان لابد من نهاية. فانهيت زواجنا، وهمت بعدها على وجهي هنا وهناك عبثًا محاولة إقامة علاقة ناجحة، لعل الأمر يفلح، ولكن كانت كل مرة أسوأ من التي قبلها. كان هذا حتى وقعت في الحب. امرأة جميلة، ذكية، مثقفة وناجحة، تجاوزت كل الأعراف الاجتماعية المعروفة لتتقدم هي لخطبتي، ثم للزواج مني. وقعت فورًا في حبها. وقلت لنفسي إنني قد وجدت الحل أخيرًا. الحب. \”آول يو نيد إز لاف\” (مثلما يقول الخنافس).. ماذا؟ ماذا تقولين؟ كيف أحب امرأة وأنا أصلًا امرأة؟ نعم هذا ما قلته لنفسي وقتها. هذا بالتأكيد هو الدليل القاطع على ذكورتي. فلم أكن أعي وقتها أن الميول أمر مختلف تمامًا عن الهوية، ولكن هذا موضوع آخر ربما أحدثك فيه فيما بعد.
المهم أن علاقتنا كانت ناجحة إلى حد كبير على المستوى العاطفي والجنسي معًا، مارست بكل غباء كل الأساليب الذكورية العتيقة المعروفة في إدارة العلاقة. لكن. هل استطعتِ أن تخمني؟ نعم. لم يجد الحب نفعًا في مواجهة الديسفوريا المتوحشة. لكنه مع ذلك منحني ما كان ينقصني حقًا طوال كل هذا الوقت. الشجاعة. الشجاعة لمواجهة نفسي بالحقيقة.
أنا امرأة. تلك هي الحقيقة التي لا يجب الهروب منها بعد الآن. تفهمت شريكتي الأمر تمامًا، وانفصلنا بعدها في هدوء وبلا ضغينة، لأبقى وحدي مع الحقيقة. أخيرًا مع الحقيقة. لا يمكن لأحد أن يفهم إلا إذا شعر بنفسه بما أشعر به. إنه أنا أخيرًا. آااه. كم من الأشياء تحطمت على يدي. كم من القلوب انكسرت. كم من روحي تمزق فقط لكي أفرض على نفسي ذكورة زائفة لا انتمي إليها. بدأت بعدها في خطوات العلاج التي تأخرت كثيرًا لتغيير جسدي ليتماشى مع هويتي الحقيقية. أنا امرأة ولدت في جسد ذكر. وهذا الجسد، هذا الدور، هو العيب الذي يتعين إصلاحه.
لا أطلب من أحد أن يتقبلني، ولا أن يسامحني، ولا أحكي هذا بغرض التطهر أو استدرار العطف. أنا أحكيه فقط من أجلكِ أنتِ. أنتِ يا من هناك في مكان ما، تقبعين في هذا العذاب المقيم، تعانين مما عانيت، وتواجهين ما واجهت، أنتِ الوحيدة ربما التي تفهمينني الآن. فلو وقعت هذه الحكاية بين يديك في يوم ما، فأنا أقول لكِ إن إياك ثم إياك ثم إياك مرة أخرى أن ترتكبِ مثل تلك الحماقات التي ارتكبتها. لا تضيعي حياتك وحياة الآخرين. أنتِ امرأة. لن يستطيع أحد أن يغير من هذا في شئ. ولا حتى أنتِ.
من أجل هذا فقط أحكي لكِ هذه الحكاية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top