عزيزي وزير التعليم..
تحية طيبة جدااا وبعد،
أنا يا سيدى أم مصرية من ملايين الأمهات اللاتى تتعلق أنظارهن بك. واحدة من ملايين يتأثر يومهم بل حياتهم بأثرها ومستقبل أطفالهم بك. بمنصبك الجديد تحديدا.
سيدى الوزير. أتمنى أن أجد فى صدرك رحابة تسع كلماتى التى تعبر عن الكثيرين من أولياء أمور طلاب يتعلق مصيرهم بسياسات تقود سيادتك صياغتها وتنفيذها على أرض الواقع تلك الأيام. قلت لنفسى عليه أن يعلم ما أريد، فهو المنوط بصياغة وتنفيذ تلك الأحلام.
أريد أن يتعلم أولادى. نعم. مطلب أراك تتعجب منه. لعلك تتساءل وهل تسرب أطفالك من التعليم مثلا؟ لا يا سيدى. فأطفالى يذهبون إلى مدرستهم الراقية الجميلة كل صباح. لكنى أتحدث عن العلم يا سيدى. أريدهم أن يستقوا علما ينفعهم ولا ينسونه فور انتهائهم من الامتحانات. أريدهم أن يتعلموا علما لا يقاس بالكيلو يا سيادة الوزير. قل لى بالله عليك ماذا كان يتعين عليّ أن أجيب ابنتى حين ذهبت صباح أحد الأيام للميزان المتواجد بمنزلنا لتزن حقيبتها ولتقول لى إن حقيبتها تعدت التسعة كيلو جرامات وأنها تحملها على ظهرها لوقت ليس بالقليل حتى يستقر بها المقام فى فصلها الدراسى!
أكررها لسيادتك كل ما أرجوه أن نعود للأصل فى العملية وأن نحرص على أن يتعلم أبناؤنا. فقط يتعلمون. لقد فقدت العملية التعليمية الخاصة بنا جوهرها وتقولبت فى عبث لا نهائى لا وصف له. إننا نمثل أنهم يتعلمون. يستيقظون ويتوجهون لمدراسهم على كل مستوياتها ليستمعوا لمواد تعليمية لست أهتم بتصنيفها ولا بدرجتنا فى التصنيف العالمى لها لكنى أعلم كأم أنها مجموعة من المعلومات التى تصطف فى منظومة حشو لا قبل لأطفالنا بها ليستسلم الطفل والأهل فى مسار إجباري نحو صم تلك المعلومات بلا أى إبداع فى سبيل انتهاء الفصل الدراسى ومن ثم انتهاء العام كله (وخلينا نخلص)
استمعت لفيديو تم تداوله لجزء من حديث ألقيته سيادتك فى مؤتمر TEDex CAIRO وجميعنا نعلم حجم تميز العقول التى تتحدث دائما فى مؤتمرات TEDex واستمتعت كثيرا بسردك لقصة تعليمك وتطوير قدراتك العلمية وشغفك بالتكنولوجيا وانشاءك لموقع للتعليم الإلكترونى لتفيد به زملاء آخرون لك وكيف أنك تؤمن بأن رحلة البحث لا تنتهى وأن الشهادة مجرد محطة حسبما قلت يا سيدى، فهل آمل ألا تتخلى عن قناعاتك الرائعة تلك. هل آمل ألا تنحيها جانبا حين تدخل فى (السيستم) يا سيدى وتتعامل مع معطياته العقيمة. هل آمل أن تتمسك بقناعاتك وبطريقة تفكيرك التى عشت عمرك كله تنتهجها كما أظهر لي حديثك. هل آمل أن تتمسك بقناعاتك ولا تنحيها جانبا فى ثلاجة الأحلام لحين انتهائك من آداء متطلبات منصبك الوزارى وحينها تخرجها لتعيش بها مرة أخرى.
حين تجد أن من يناط بهم تطوير المناهج التعليمية هم أبعد ما يكونون عن المؤهلات الحقيقية لتلك الوظيفة. هم أبعد ما يكونون عن استيعاب تلك الكلمة من الأصل.. فماذا أنت فاعل؟ حين تجد أطفالنا الذين يتعلمون فى مدارس نقوم بتوفير آلاف مؤلفة لتعليمهم بها وفى النهاية يأتى الطفل بقدر لا يمكن استيعابه من المعلومات المشوهة غير المترابطة، وفى هذا أتحدث عن ثقة فنحن معشر الأمهات ومن رحم ربى من الآباء نحفظ مناهج أبناءنا عن ظهر قلب ونكتم فى نفوسنا يا سيدى حنقنا بل وغيظنا ونحن نساعدهم على حفظ نصوص كثيرا ما نجدها خالية من أي موهبة أو معنى أو قيمة. نكتم غيظنا ونحن نجبرهم على مذاكرة مواد لا تهمهم من قريب أو بعيد ولا تفيد طموحاتهم المرجوة.
سيدى الوزير. كتبت منذ فترة عن معركة مجاميع الثانوية العامة والتى لم أصل إليها مع بناتى بعد، لكنى أخشاها وأترقبها وبشدة. وتعرضت فى مقالى ذاك إلو معلومة درستها وأنا انمي مداركى عن هرم الإدراك. والمكون من من 6 درجات 3 درجات سفلى (low order thinking skills) و3 درجات عليا (high order thinking skills) والمرتبة من الأدنى للأعلى حسبما يلى: مهارة التذكر أى الحفظ (knowledge) ثم المهارة الخامسة وهى الفهم (comprehension) ثم المهارة الرابعة التطبيق (application) ثم نتنقل للمهارات العليا وهى مهارات يتمتع بها متقدو الذهن والمبهرون، وهى المهارة الثالثة التحليل (analysis) والثانية هى التركيب (synthosis) ثم المهارة العليا والأولى وهى التقييم (evaluation) ولعل ما جعلنى اسرد ذلك هو المعركة التعليمية التى يخوض أطفالنا غمارها وهم لا يتخطون المهارة الأدنى فى هرم الإدراك ألا وهى مهارة الحفظ والتذكر فى إسقاط كبير ومتعمد لسائر المهارات الأخرى.
لا أستطيع إغفال تلك الحقائق التى درستها والتى نقلتها لأطفالى بالمناسبة فأورثتهم شعورا بالظلم والنقمة. فلا أنسى ذهول ابنتى ذات العاشرة حين قلت لها إن الذكاءات ثمانية وإن هناك ذكاء لغويا ورياضيا وحركيا واجتماعيا وذاتيا وموسيقيا وبصريا وعاطفيا، وكيف أنها قالت لى إن الشخص الموهوب فى الذكاء الحركى دون غيره إذن لا يقل عن الموهوب رياضيا فى شيء، لكنه فى الدراسة يا أمى كل شيء، فالموهوب فى مادة الرياضيات يحصل على أعلى الدرجات وأعلى التقديرات النفسية والدرجات العلمية بينما الموهوب رياضيًا لا يحصل على شيء إن رسب فى مادة الرياضيات أو العلوم. وسألتنى لماذا لا يفصل الموهوب موسيقيا أو أدبيا أو رياضيا أو فنيا عن غيره من ذوى الذكاء الرياضى؟ فكيف نرضخ جميعا لمعيار ذكاء موحد ونحن نختلف فى تلك الذكاءات؟
لم أجد ما أجيبها به بالطبع.
والمهلك فى ذات الوقت أننا لو استسلمنا لنظام التعليم الذى حكم علينا وعلى أطفالنا أن نتعامل معه وأن نعلمهم نحن فيما يتبقى من وقت ما يلزمهم من معارف أخرى نرتق بها رقع التشوه التى تطال إدراكهم، وهو جهد مضاعف نرتضيه نحن كآباء وأمهات لا نرجو من دنيانا إلا أبناء ذوي عقل راجح حقيقى ومهارات عالية ليواجهوا الدنيا به. وإن رضينا نحن وحاولنا، فمن أين لنا بالوقت لنكمل عملية تعليم أبنائنا بأنفسنا؟ من أين الوقت فى ظل مناهج (الكيلو والقنطار) فلا أنتم أخذتم وقت أبنائنا فأفدتموهم بتعليم حقيقى ولا أنتم تركتم لنا وقتا لنعلمهم نحن ما قصرتم فيه، فماذا نحن فاعلون؟ أسقط فى يدى حقيقة يا سيادة الوزير.
سيدى.. أدعمك تماما فى أعنف مواجهة مع رافضى التغيير أيًا كانت مناصبهم وأيا كانت توجهاتهم. أدعمك تماما فى الضرب بيد من حديد وبشدة على رأس كل متهاون وعلى يد كل معلم نسى رسالته وصار حصالة للأموال لا أكثر. أناشدك أن تواجه.. لست من أنصار العنف مطلقًا على المستوى الشخصى. ولا أعرف لمناصرة الإجبار طريقًا، بل وأنا من أكثر معارضى الإجبار فى كل شيء. ولكن مستقبل أبنائي يجعلنى اليوم أغير قناعاتى. نعم. أغيرها فى تلك القضية من أجلهم. فأما عن العنف. فواجه بعنف وأسالك: ماذا تريد من تعاون لنتعاون؟ هل تريد جبهة لدعمك من مريدى التغيير من المخلصين والآباء والأمهات الذين هلكوا من النظام الحالى؟ فقط أشر ونحن خلفك إن لمسنا نية حقيقية وعزمًا لا يلين فى تطوير هذا النظام العقيم.
وأما عن الإجبار. فلقد أجبرنا سنين لا حصر لها على الرضوخ لمناهج لا ترقى لكلمة مناهج بصلة. واليوم أدعوك لإجبارنا مجددًا وبكل أريحية على تعليم أطفالنا فى ظل مناهج جديدة لا تبغى منهم إلا التعليم والتجربة والإبداع.. مناهج تفتش عن ميولهم وعن ذكاءاتهم المتعددة وتدعمها وتزيدهم خبرة وصقلًا، لا تقهرهم وتقهرنا معهم فنخرج جيلا يعلم مبكرًا ماذا يريد.
سيدى. أفعلها وسيذكرك التاريخ بكل الخير. وقد نذكرك نحن أنك من أعتقت أبناءنا من رق نظام تعليمى قسرى فاسد فاشل.