منى عبد العزيز تكتب: أشياء سيئة السمعة

مللت حقا القوالب الجاهزة والأفكار الجاهزة.
مللت المعتقدات التى ننتهجها لمجرد أننا كسالى لا نهتم كثيرا بالتفكير فيها وبحثها ولا نود أبدا أن نعيد النظر فيها.
سئمت كثيرا النظرات المعتادة والمعلومات والأنماط سابقة التحضير وكأن ثمة إعاقة ذهنية لدينا تمنعنا من التفكير وتكوين خط فكرى واضح خاص بنا.

أحيانا أشعر أننا كمجتمع لا نأبه كثيرا بما نعتقد ولا بما نظن ولا بما ينتج عن تلك النظرة من ظلم وظن سيء وذنوب وخطايا لا حصر لها، نحملها أو تحملنا إلى طريق الجحيم.
كثيرا ما يرد لعلمنا أو لسمعنا ما نشعر لأول وهلة أنه شيء سيء السمعة. كريه بالوراثة الفكرية. لكننا نادرا ما نراجع تلك الوراثة العجيبة التى توردنا -فكريا- موارد الهلاك.
كم من شيء سيء السمعة تعرضنا له مع أننا إن نظرنا له ودققنا النظر، لوجدناه خاليا من تلك السمعة اللصيقة به.
أمثلة عديدة لا حصر لها تدور فى فلك مجتمعنا لتدين الجميع بلا استثناء.. امرأة تدخن، هى فى حقيقة الأمر لا تفعل سوى الأذى لنفسها وصحتها وصحة من حولها كالرجل المدخن تماما، تلك هى الحقيقة. لكننا نصبغها فى مجتمعنا بصبغة التحرر وربما سوء الخلق.

وأخرى تعمل بالطب أو التمريض فى نوبة ليلية، هى فى واقع الأمر تتكسب من عمل شريف لا شبهة فيه. لكننا نوصمها عار تفكيرنا المشبوه، فنجعل قيامها بواجبها الوظيفى شبهة وعيبا كبيرا.
امرأة مطلقة ولم تتزوج مرة أخرى، هى فى نظر المجتمع -رجالا ونساءا- شبهة وعارا ومبعث قلق وطمع كبير.
ورجل خاض تجربة الطلاق أكثر من مرة، هو بالضرورة فاشل وغير قادر على الحفاظ على حياة أسرية سوية. ورجل لم يتزوج حتى سن الأربعين أو ما بعدها، ليس بالضرورة غير قادر على تحمل المسئولية أو مواجهة النساء، وليس بالضرورة بخيلا لا يرغب فى الصرف على امرأة فى حياته، وليس بالضرورة (ابن أمه) ولا يستطيع الخروج من عباءتها تلك. ربما كان شخصا طبيعيا للغاية، لكنه لم يصادف من يرغب فى استكمال رحلة العمر معها.
مهن سيئة السمعة لمن ينظرون بسطحية لممتهنيها.. ياللهول عامل نظافة! سباك!

وبالرغم من نبل ما يعمل إلا أن نظرة المجتمع له غاية فى السوء والدونية لمجرد أنها مهن بسيطة.. ومهن ليست بسيطة، لكنها صبغت بسمعة سيئة فى تعميم ظالم.. محامٍ، فهو قادر على الخداع وعلى قلب الحق باطلا.. مدرس تربية رياضية، تافه لا قيمة لعمله.. ممثل أو ممثلة، متدنى فى الأخلاقيات ومتهاون بالقطع فيها.. حقوقى! بالقطع ممول ولديه أجندة مكونة من بند واحد فقط يدعى هلاك البلد!
قولبة لا أول لها ولا آخر.

نتبع فيها قيمت بالية ووجهات نظر كونها أناس ليسوا بالقطع حكماء ولا هم آخر من يفكر بالمجرة.

هذا (فلاح)، فهو بالقطع همجى وعديم الفهم لكثير من سبل التحضر أو متسلق يلتصق بفريق ما من الناس كى يمتص منهم حضارتهم وعلاقاتهم، وهو ما يظلم الكثيرين والذين لا تنطبق عليهم تلك الصفات من أبناء تلك المدن والقرى.

وهذا (صعيدي)، فهو بالقطع شخص لا يفهم كثيرا، بل فى كثير من الأحيان غبى وعنيف، وكثيرا ما يمتلك أشباهه سلاحا، وهو ما يصدم كثيرا عندما تسافر للوجه القبلى، فتصطدم بالوجوه المسالمة البشوشة والعقول المستنيرة المتعلمة.

وتتشعب القوالب لتشمل عددا لا نهائيا من الصور والأنماط التى نقولب فيها الجميع، فهذا نحيل ضعيف الشخصية قطعا ولا يقوى على المواجهة، وذاك ضخم فهو بالقطع شجاع مواجه قوى الشخصية قادر على مجابهة أي شيء. وتلك نحيفة رقيقة أنثى للغاية وأخرى ضخمة الجسم فهى بالقطع لا تمت للأنوثة بصلة.
بتنا نقولب الأشياء والأشخاص والمهن بقالب ظالم يوصمها بسمعة سيئة لا تمت للحقيقة كثيرا بصلة. لماذا لا نركز تفكيرنا على الفعل وليس الفاعل؟ لماذا لا نراجع معتقداتنا وقوالبنا الجاهزة فنكسر حاجزا كبيرا بيننا وبين حسن الظن؟
لماذا لا ندرك أن الأفعال درجات والأخطاء درجات، وأن هناك نفوسا بشرية طبيعية تحمل الكثير من المتناقضات؟ قد يدخن ويتصدق. قد لا ترتدى الحجاب، لكنها تصلى وتعرف أمور دينها بشكل أعمق من بعض مرتدياته. قد تكون بلا زوج أو تأخر بها سن الزواج، لكنها لا تفكر فى السطو على زوج أي صديقة أو قريبة. قد تكون لا ترغب حقا فى الزواج وعلينا أن نتركها وشأنها.

علينا أن نسعى لبعض الرقى الفكرى، لأننا جميعا بلا استثناء عرضة لقوالب المجتمع الجاهزة الظالمة والتى صنعت بأيدينا أو أيدى غيرنا؟ ولكننا بممارستها واعتناقها نكرسها ونزيد من فرصها فى الظلم والتعميم غير المنطقى، فيطالنا السوء والظلم والسمعة السيئة قبل غيرنا.

وقفة بسيطة مع النفس لثوان نفكر فيها كل مرة قبل أن ننطلق لسماء القالب الجاهز سيء السمعة ونبني عليه توقعات وأحداث وافتراضات هى أبعد ما تكون عن الحقيقة. هى أبعد ما يكون عن الحق. فنهلك جميعا.

حقا هذا طريق الهلاك الجماعى لنا جميعا، فهل نتعقل ونتفكر ألف مرة قبل إطلاق الألسن والأحكام؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top