منى حراجي تكتب: ضيوف في حياتنا

(1)
لم اذكر يوما أنني سمعت أحدا من أصدقائي يذكر أحد والديه المتوفين ويحكى ويتحاكى ويسرد عدد ساعات عملهم الصعبة التي امتصت زهرة شبابهم أو كم أنفقوا، بل أجدهم وقد حفر فى ذاكراتهم مواقف السند أوقات الضعف وكلمات الحنان أوقات قسوة الزمان وحكمة العمر أوقات تقلب الأوضاع، فأكثروا من تواجدكم في تلك المرحلة الحرجة بمواقفكم لا بأموالكم، العمر يمر وسيكبر كل منهم متخذا مجاله ومحققا لأحلامه وسيرحلون كالضيوف وستبقوا أنتم في احتياج لودهم واحترامهم، الإنفاق على قدر دخلك هو واجبك وحقهم، فلا تباهى به ولا تطلب عوضا له ولا تعلق عليه أعذار إخفاقك في تفهم دورك.
(2)
ابناؤك أيا كانت أعمارهم ليسوا بالصغر الذى يخيل إليك أنهم سيطيعون أوامرك ويلبون رغباتك دون جدال أو حتى بعد جدال بدون اقتناعهم، وليسوا بالكبر الذى يؤهلهم لتحمل نتيجة تصرفاتهم وحدهم، نصائحك مهما كانت جديتها وثقلها هى نتيجه تجاربك الشخصية والتى لا تعد إلا جزء صغير من حياة دارت أحداثها في زمان آخر تغيرت ملامحه وخطوطه، فأنت لا تعلم كل ما يعلمون، ولا تدرى كل ما يحتاجون.
أنت لست بالإله المعصوم من الخطأ ولست بالناصح الأمين الذى يحمل كل الحكم والعبرات، مثلك مثلهم غير أن بعض من العوامل البيولوجية والتى هى خارجة عن إرادتك جعلتك أما أو أبا، فهو طوق تكليف محمل بالمسؤولية، فاترك الفرصة لنفسك كي تتعلم وأنت تربيهم.
(3)
لا تصدق أن هناك ما يسمى بأصحاب السوء، السوء من النفس والتى تذهب بدورها إلى من يوافقها في الرأي ولا يمانعها، فاهتم بنفوسهم بدلا من التحديق في أصدقائهم، واعلم أن النفوس تتغير والمبادئ تنحنى أمام الرغبات ولا يوجد خطأ مطلق أو صواب مطلق، العيب وجهة نظر، ومن تعيب على سلوكه من أصدقائه اليوم، هو مجرد ابن لك في موقف آخر، فلا يوجد على الوجود من يحق لك أن تدعو ابناءك إلى نبذه، كلنا مخطئون وكلنا معرضون للخطأ.
(4)
تحدثت كل الكتب السماوية في كل ما يجول بخاطر البشر من تفكير فى الذات الإلهية ومراجعة التوحيد والتفكير في الشهوات والتفكر في العبادات وجدالات البشر العادية في الأمور الحياتية، فلا تدع بابا في النقاش مصكوك بينك وبين مراهقينك، ما تمنع نفسك عن التحدث فيه سيعلموه رغم أنفك، لم تعد الحياة مغلقة على تلفاز ينتهى بثه الساعة الثانية عشر، ولم تعد تجارب الحياة قاصرة على برنامج حياتى وباب بريد الجمعة، العالم كله أصبح بين يديه على شاشة هاتفه، فكن أنت جانبا من هذا العالم حتى لا يراك يوما غريبا عنه.
(5)
التجربه هى شئ فطر عليه الإنسان وكل التجارب أيا كانت درجة نجاحها أو فشلها أو اختلفت الأهداف المرجوة منها، فهى تترك أثرا في النفوس، ليس بيدك أو بيده أن يختار ما يكتب في حياته أو نقصيه بأنفسنا عن كل ما يكابده من عناء، وليس معنى إخفاقه أو خروجه من تجربه بتوابع أن توصمه بالفشل أو تحكم على مستقبله بالضياع، كلها محطات في قطار الحياة، والذى حتما سيصل إلى مثواه الأخير شئنا أو أبينا، أنت ملزم بتغيير شكل دورك طبقا للأحداث الجارية، كل الأزمات تمر ولن يبقى إلا أنت وهم.
(6)
مراقبتك المستمرة لابنائك المراهقين ورفضك وجود مساحة خاصة من الأسرار والتصرفات، يدفعهم دفعا إلى اختلاق خصوصية رغما عنك وبكل الطرق، والنتيجة تحول تدريجي إلى شخصيات عنيدة عديمة الثقة تتفنن في إيجاد حلول ملتوية لتحقيق غايات لا أهمية لها.
التعامل مع العقول ومخاطبة النفس التى ألهمها الله فجورها وتقواها أفضل من التحكم في نفوس هى في الحقيقة لا نمتلكها ولا نمتلك الحق في تحديد مصائرها.
من يخطئ يتعلم، فاترك لهم مساحه من التعامل الحر بعد غرس المباديء وكن بالجوار \”فطن متغافل\”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top