سنة ١٩٠٠ حاجة وتسعين، وأنا في ابتدائي جالنا المدرسة المايسترو سليم سحاب ليختبر عدة طلبة عشان ينضموا للكورال بتاعه. كنا متقسمين حسب الفصول، وعلى المهتم من كل فصل بالانضمام للكورال أن يقف في الطابور التابع لفصله، وكان سليم سحاب بيلف على الطوابير يسمع كل طالب لعدة ثواني، واللي صوته \”نسبيا\” حلو، يعدي.
كنت هموت ويكتشفني، وكأنها فرصة عمري وجت لحد عندي، مع العلم إن أنا صوتي أوحش من صوت منى زكي في \”عن العشق والهوى\”. المهم.. وقفت في الطابور بحماس وثقة رهيبة، جه دوري، غنيت، وطبعا اترفضت.
بنفس الحماس والثقة اللي جوايا قمت واخدة بعضي وواقفة في آخر الطابور بتاع الفصل اللي جنبي.. على أساس إنه أولا مش هياخد باله إنه سمعني قبل كده، وثانيا وده الأهم طبعا إنه هيتفاجئ بموهبتي (اللي فعلا فعلا مش موجودة)، وياخدني معاه في الكورال ونغني ونفرفش بقى.
جه دوري، للمرة التانية، وطبعا افتكرني، وطبعا اترفضت برضه عادي.
سنة ٢٠٠٥ – ٢٠٠٦، وأنا في \”هاي سكول\”، كنت مشتركة في مسرح المدرسة، وفي مرة المخرج وهو بيوزع الأدوار اكتشفت إنه ماشافنيش في ولا دور في المسرحية دي.. اسكت؟! احترم فكره واقول المرة اللي جاية استسلم، وإنه مش لازم ابقى جزء من أي حاجة بحبها مثلا؟! طبعا لا. روحت له المسرح ومسكت الورق بتاع المسرحية، واقترحت دور عبيط (مش بشتم الاقتراح، الشخصية اللي ألفتها كانت –حرفيا- عبيطة في القصة)، ومثلت في المسرحية، وكنت باستغل طبيعة الشخصية إنها عبيطة وارتجل واضّحك الممثلين على المسرح، وكانت من أحلى ذكريات حياتي غالبا.
٢٠١١، وأول ما اتخرجت من الجامعة، كنت بحب اكتب شعر ساخر.. أنا مش ضليعة في الشعر، بس كنت بفرح باللي بكتبه، ومع إني عارفة إنه ماكانش بيرتقي لمستوى \”الشعر\” أو \”الأدب\” كما نعرفه، بس برضه كنت باروح اقف على مسارح مختلفة واقول الشعر ده قدام جمهور، ومن غير قلق، وأحيانا كنت بصوره كمان وانزله على اليوتيوب عشان اللي ماتفرجش، يتفرج.
ماكانش عندي ثقة زايدة في نفسي، بالعكس، كتير كنت ببقى شايفة إن اللي بقدمه ده احتمال يطلع دون المستوى.
لكن كان عندي خوف أقل من الناس.
٢٠١٢، وأنا بشتغل، بطلت اطلع اقول الشعر بتاعي على أي مسرح، مع إن وقتها كان ابتدى يبقى عندي قاعدة بسيطة من الجمهور، أو ما يدعى بـ \”الفولوورز\”، وكانت فرصة مشاركة كتاباتي على المسرح أسهل بكتير. بقيت برفضها حتى وإن جات على حجري وربعت كده.
٢٠١٣، بطلت اصور أي حاجة بكتبها فيديو.. اكتفيت بالكتابة على السوشيال ميديا، وابتديت اخشى الظهور، أيا كانت آليته.
في ٢٠١٤-٢٠١٥، بقيت بكتب أقل.. بكتب واشيل في الدرج.. بكتب وامسح.. لو ظهرت في فيديو ما، قلما اعمله \”شير\” عندي، وغالبا هاتمني سرا إن ماحدش يشوفه.. مع إني بحب الكتابة، وبستمتع بالشغل المسجل.
بقيت بخاف من الناس.. أوي.
نفس الشخصية اللي كانت بتطلع تغني وهي عارفة يقينا إن صوتها مزعج، ولكن المهم إنها تنبسط وتحاول، بقت بتترعب تكتب كلمة على صفحة و\”تقلش\”.
بقيت بخاف انال لقب جديد من ألقاب العصر بتاعة \”الفاشونيستا والانفلوونصر والبيضة والفرخة\”.. عشان أنا قاعدة وشايفة اللي \”وقع\” في هذا الفخ قبلي حصلهم إيه.
في شغلي بقيت بخاف اعمل إعلان وحش، لاحسن \”زمايلنا في الوسط\” ماينسوهاليش.
بقيت بعتذر عن ٩٠٪ من الفرص اللي بتتيح لي الظهور، وباترعب من الـ ١٠٪ اللي بقرر اقبلها.
انتاجي بقى أقل.. خوفي بقى أكبر.. استمتاعي بالمشاركة مابقاش مجرد من الحسابات والتحفظات والأحكام المطلقة زي زمان.
اصبح فيه عند المتلقي متعة جديدة، أكبر بكتير من متعة العرض، وهي متعة التصيد.. وقعته سودة اللي يقلش ولا ينصح ولا يشعر ولا يشتم ولا يعمل مشروع صغير ولا يؤمن بمشروع كبير ولا يغني ولا يكتب ولا ولا….
النجاح ذكراه أقصر من الفشل.
زي ما نكون عايشين في سلخانة اسمها الشاشة الصغيرة، وسكاكينها هي الكي بورد اللعين.
بصراحة؟ بقيت بخاف لاكون أنا العجل اللي هيقع المرة دي.. مع إن كلنا عجل، وكلنا بنقع.