منة عدلي القيعي تكتب: اتساءل.. ولا أسأل

كنت أصدق والدي حين يقول لي إن كل شيء سيصبح على ما يرام. بل أحيانا، كنت أصدقه دون أن أسأل، دون أن يجيب، وكأنني، دون الخوض في تفاصيل بين الكيف والمتى، أصدق وجوده، وكفى.
كانت عند أمي الإجابات كلها. هي تعلم أسرار الكون، بل وتديره أحيانا. هي تعرف كيف يداوى البرد، ويلتحم الفخار، ويطيب الجرح، ويتصالح الإخوة. كنت أصدقها هي أيضا حين تقول إن كل شئ سيصبح على ما يرام.
كنت قد اعتدت على أن ينتصر الخير في الروايات والأفلام، بل وكنت اتشوق لتلك النهايات المتشابهة، وكأنني لا أعلم علام سيسدل الستار تلك المرة.
لا تفارقني صورة ذلك الطفل السوري المحتضر وهو يقول باكيا: \”سأخبر الله بكل شئ\”.
ألا يعلم الله كل شئ؟
ألن يظهر أب لهذا الطفل ويحمله على كتفيه ليطوف فوق شرور الأرض؟
ألن تأتي أمه لتطيب ذلك الجرح الذي يمزج دموعه بدمائه؟
هل يمكن أن يكون هذا هو المشهد الأخير لتلك القصة؟
ألن يكف العالم عن الدوران حتى يكف الأطفال عن البكاء قتلا وجوعا وفقرا ومرضا وكرها؟
متى يجيء ذلك اليوم عندما يرفض كل جنود الأرض القتال؟
ألا ينتصر الخير بالحياة؟
ألا يبكي حكامنا ليلا؟
ألن تلهمنا الفنون وتحيينا الموسيقي وتجمعنا الرياضات؟
ألن تشرق الشمس في سماء حلب ويتطاير شعر نسائها قبل النهاية؟
أهكذا النهايات بعيدا عن أقلام الأدباء؟

هل يزداد العالم قبحا، أم شفافية؟
أنا لا أسأل،  فسؤالي يحمل معه شيئا من سذاجة تلك الطفلة التي مازالت تنتظر أن يقول لها والداها إن كل شئ سيصبح على ما يرام.
لا أسأل، فليس هناك من يحمل لي إجابة أبحث عنها.
لا أسأل، حتى لا اتعدى بسؤالي حدود المقبول والمعتاد والحرام والمحدود.
لا أسأل أحدا، ولا أسأل أبدا، ولكني أبدا لم أكف عن التساؤل: \”لماذا؟\”

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top