ستولدين وتكبرين وتتعلمين وتُخدعين وتدركين فتحزنين.
ولهذا اليوم اكتب لك.
سامحيني.
كنت في العاشرة حينما خططت أول سطور لي عن \”القضية\”.
حينها، كان الشهيد اسما، لا عددا.
كانت الإجابة حرية، لا خبزا.
وكان الرثاء غضبا، لا عجزا.
بالفصول كنا نتغنى بالأوطان، ونعرب أشعارًا عن تراب الأرض.
كنا نحفظ التاريخ، ونرسم الخرائط.
ونكتب رسائل لصديقنا الفرنسي، ندعوه لزيارة البلاد، صاحبة الجو الدافئ صيفًا، المعتدل شتاءً.
روى لنا التاريخ العربي كسرد لفيلم هوليوودي ينتهي بانتصار الخير على الشر؛ كل مرة. كان لروايتنا بطل لا يقهر، لا ينطق عن الهوى، لا ترد له كلمة ولا يعلو صوت على صوته.
إذا كان على تلك الأرض يد بعد يد الله تأمرها بأن تكن، فتكون، فقد كانت يد لزعيمًا عربيًا ومعشوقًا شعبيًا.
في سيرتنا الصحابية، تعثرت دابة في العراق فسئل عنها عمر.
تربينا على \”المطلق\” يا صغيرتي.
سُقينا بحارًا من تلك الإجابات النموذجية الواحدة القاطعة المحفوظة المقدسة.
مصر أم الدنيا.
العرب وحدة.
القدس عاصمة فلسطين.
نموت نموت ويحيا الوطن.. متنا، ولم يحي الوطن بعد.
سامحيني يا صغيرتي.
إذا يومًا قصصت عليك تاريخا لن تري منه دليلًا.
سامحيني إذا زرعت بداخلك قيمًا عن الصمود وسردت لك أشعارًا عن تراب الأرض وكيف يروى بدماء حافظيه.
أعذريني إذا علقت على حائط مائل خارطة لمصر تكتب ولبنان يطبع وعراق يقرأ.
لا تسأليني عن عاصمة فلسطين. وكيف لا تنطبق إجابتي مع تلك الإجابة المطبوعة في كتبك أنت.
فأنا مازلت مسحورة بكتبي أنا. مازلت أدندن ألحانا تصلي لمدينة الصلاة، وتحلف برجوع لبنان، وتحلم حلمًا عربيًا.
مازلت أحلم يا حلوتي.
ومازال يعاكس الواقع تلك الأحلام التي تؤخذ علينا اليوم، لا لنا. وكأنني طالما استمعت لمعلم يحدثني كذبًا، ومازلت أصدقه.
عزيزتي ابنتي،
أوعدك من قبل ولادتك أنني لن أكذب عليك أبدا، ولكن إذا أتى يومًا أدركتِ فيه أن كل ما رويته لكِ كذبًا. سامحيني.