خللي بالك من موبايلك.. فهو نافذة على حياتك الخاصة:
أمام مسمط فى حى شعبى، ركع السيد الوجيه على إحدى ركبتيه، أمام صاحبة المسمط عارضًا عليها الزواج، فانتابتها حالة من الدهشة والإحراج والسعادة فى نفس الوقت! فلم تكن\”عبلة\” حنان مطاوع تحلم مجرد حلم أن أكرم \”إياد نصار\” رجل الأعمال الذى هبط إلى حارتهم بصحبة سائقه الخاص \”سمير\” أحمد داوود سوف يتقدم لطلب يدها، وهى المرأة الشعبية المطلقة التى لم تعتد من الرجال غير الغلظة والبهدلة وسوء المعاملة!
\”هذا المساء\” هو الجواد الذى فاجأ الجميع بعد أن أطلق ساقيه للريح ووصل إلى الصف الأول دون أن ينظر خلفه ليعرف من يقترب منه فى نفس المضمار، ومن يبتعد عنه، ومن تعثر.
\”هذا المساء\” من تأليف وإخراج تامر محسن عن سيناريو لمحمد فريد مع ورشة كتابة، وهى سمة معظم المسلسلات الحديثة -وإن كنت لا أثق فى قدرتها على المحافظة على مستواها- ولكن ما شاهدناه من المسلسل بعد عرض نصف حلقاته، يمنحنا بعض الأمل والتفاؤل فى قدرته على الحفاظ على مستواه حتى النهاية.
حالة مستر أكرم رجل الأعمال الذى ينتمى إلى مجتمع مخملى، وتنتابه حالة نفسية تفقده الرغبة والقدرة على التعامل مع زوجته الجميلة \”أروى جودة\” التى تنتمى إلى نفس الطبقة الراقية، تشبه كثيرا بطل رواية \”قاع المدينة\” للروائى المبدع د. يوسف إدريس التى تحولت إلى فيلم من بطولة محمود يس ونادية لطفى ونيللى.
يتلقى بطل الرواية نصيحة من طبيبه النفسى أن يجرب التعامل مع امرأة من قاع المدينة، قد يجد معها علاجا لحالته، فيستغل سلطته ونفوذه للتعامل مع خادمته \”نادية لطفى\” التى تضطرها الحاجة لقبول عرضه، ولكن عبلة \”حنان مطاوع\” فى \”هذا المساء\” تنتمى لبيئة شعبية، ولكنها تمتلك مسمطا شعبيا، بمعنى أن قبولها الزواج من مستر أكرم \”إياد نصار\” ليس إضطراريا أو بسبب احتياجها للمال، ولكن انبهارا به وبأسلوبه الراقى فى التعامل معها.
المسلسل يقدم عالمين مختلفين يسيران فى خطين متوازيين.. عالم أبناء الطبقة المخملية الذين يعيشون فى كومباوندات مغلقة عليهم، وعالم أبناء الطبقات الشعبية.
قد تتماس وتقترب الخطوط أحيانا، ولكن تعود للتنافر ويلزم كل منهم عالمه.
سمير \”أحمد داود\”، وسوني \”محمد فراج\” وتريكة، يتشاركون فى محل لبيع كروت الشحن وإصلاح أجهزة الموبايل، وفى نفس الوقت فهم يمارسون لعبة قذرة بالتلصص على خصوصيات زبائنهم وكشف عوراتهم من خلال متابعة أحاديثهم الشخصية وما تحمله أجهزتهم من صور خاصة وفيديوهات، وقد أوصلهم هذا الطريق إلى كارثة، عندما قام سمير بإخبار أحدهم أن زوجته تخونه، فقام الرجل بقتلها، مما أضطر سمير \”أحمد داود\” لتربية ابنة القاتل بعد دخوله السجن.
نحن أمام دراما عصرية تتحول فيها التكنولوجيا إلى عنصر فعال ومؤثر وأحد أطراف الصراع.
\”هذا المساء\” ليس دراما تقليدية وصراعا بين الناس اللي فوق والناس اللي تحت، ولكنه يقدم حالات إنسانية لأولئك وهؤلاء، بكل ما يحملونه من اضطراب سلوكى وأحلام وأخطاء يمكن التكفير عنها وأخطاء أخرى لا يصلح معها التكفير أو التراجع.
فريق التمثيل لا يصلح معه أن تقول من يلعب أدوار البطولة ومن يقف فى الصفوف الثانية، فالشخصيات مرسومة بعناية فائقة حسب أهميتها فى المشهد وليس فى العمل بأكمله، بمعنى أن الدراما لا تتحرك لخدمة نجم بعينه ولكن لخدمة شخصية وموقف درامى يؤدى إلى تصاعد الحدث، ولذلك يمكن أن تلحظ حالة ألق واضحة فى أسلوب محمد فراج الذى يجمع بين الخسة وبعض النبل وخاصة فى الأمور التى تخص صديقه سمير\”أحمد داود\” الذى يقدم شخصية شديدة التعقيد، وهو نقطة الوصل بين عالم الطبقة المخملية وبين الطبقة الشعبية التى ينتمى إليها.
حنان مطاوع ابتلعت شخصية عبلة داخلها فأصبحت تتحدث وتتحرك وتبتسم وتنفعل مثلها.
أسماء أبو اليزيد فى شخصية \”تقى\” شغلت جمهور المسلسل بمشكلتها وأصبح الجميع شغوفا بمتابعة ما يمكن أن يحدث معها وكأنها فردا من عائلته.
حتى الطفلة نور بعفويتها وفضولها نتابعها بحب واشتياق.
إياد نصار بهدوء انفعالاته، نكاد نلحظ بركانا على وشك الانفجار.
المخرج تامر محسن حافظ على الإيقاع مع اهتمام بتكوين الكادر بحيث يصل للتأثير المطلوب سواء فى مشاهد متابعة محادثات الآخرين وتحركاتهم أو مشهد لقاء تقى مع محمد جمعة الذى يبتزها وينتهك آدميتها وينهش لحمها بنظرات عيونه الجائعة.. مشاهد الشوق بين إياد نصار وزوجته الجميلة أروى جودة وإحساسها بالإحباط والإهانه التى تلحق بأنوثتها بعد كل تجربة فاشلة مع زوجها.. الأحداث تسير بنفس سرعة تدفقها بدون لحظات ملل.
من أهم عناصر التميز كاميرا أحمد جبر، وموسيقى أمين أبو حافة أهم نقطة إيجابية فى المسلسل.
إنك كمتفرج لا تتمنى أى سوء يلحق بشخصيات المسلسل، فجميعها حتى من اقترف أخطاء عن قصد أو بدون، تحمِل داخلها ما يستحق الإعجاب.