مع ماجدة خير الله: "حلاوة الدنيا".. الحب فى مواجهة الموت

 

 

300 كلمة مع ماجدة خير الله:

 

وسط زخم وكثافة إعلانات مستشفيات السرطان، التى تحاصرنا ليلا ونهارا فى رمضان، يبدو الأمر وكأنه تعذيب للذات أن تُقبل على مشاهدة مسلسل ثلاثين حلقة بطليه الاثنين مصابين بهذا المرض الخبيث! مع احتمالات موت أحدهما أو كليهما!

يحتاج الأمر إلى شجاعه كى تقرر متابعته، وفى الحقيقة أن المسلسل -عكس ما تتصور- لا يميل إلى النكد والكآبة والصراخ والولولة، ولكنه يتعامل مع المرض وكأنه نوع من التحدى وتجربة قاسية لكل من بطليه.. عليهما تجاوزها أو التعايش معها بما يليق.

تترات المسلسل تحمل اسمي سماء عبد الخالق وإنجى القاسم، وأعتقد أنها تجربتهما الأولى فى كتابة السيناريو لمسلسل تليفزيونى، وبما أن الأمر كذلك، فيجب أن نشهد لهما بصدق الموهبة وذكاء المعالجة والحرفية أيضا، خاصة فيما يتعلق برسم الشخصيات وتدعيم المكونات النفسية والاجتماعية لكل منهما بحوار مناسب يحمل بعض السخريى التى تخفى مرارة كما فى حالة أمينة \”هند صبرى\” التى انقلبت كل خططها بعد أن كانت تعد لحفل زفافها للزواج من عُمر حبيبها \”هانى عادل\”، يتبدل حالها عندما تكشف أنها مريضة باللوكيميا، ولكنها بعد استقابلها للصدمة الأولى تستقبل صدمة ثانيه بتخلي خطيبها عنها وهربه منها، ولكنها فى نفس الوقت تستقبل علاقة جديدة لم تكن فى الحسبان مع سليم \”ظافر العابدين\”، وهو أيضا مريض يعانى من ورم فى المخ، ولكنه قرر أن يعيش حياته وكأن شيئا لم يحدث ويرفض تماما نصيحة الأطباء بالاستسلام لجراحة قد تؤدى إلى تأثير على عصب النظر.

علاقة سليم وأمينة من أجمل العلاقات الرومانسية التى لم نشاهد مثلها منذ سنوات فى السينما أو التليفزيون، رغم أن كلمة الحب لم ينطق بها أيهما حتى الحلقة الثامنة عشر، ولكن محاولات \”سليم\” التى لا تنتهى لإضفاء أجواء من البهجة على أمينة تساعدها على تحمل تبعات المرض، وتنقذها من اليأس والاستسلام، فيها الكثير من الجمال والروعة والعذوبة وتنطق عيناه بالحب دون أن ينطق لسانه.

يقدم ظافر العابدين شخصية \”سليم\” بلياقة فنية وخفة ظل محفور فيها بعض الشجن الذى لا يظهر إلا عندما يكون بمفرده، بينما هند صبرى متألقة فى كل حالاتها وخاصة فى مقاومتها اليأس والتغيرات التى حدثت لهيأتها وأهمها سقوط شعرها واضطرارها لإرتداء باروكة والسخرية من نفسها وتصديها لحالة الخوف المرضى والوسوسة التى تصّدرها أمها \”أنوشكا\” خوفا عليها.. إنها تقرر أن تعيش يومها وتتجاهل فكرة احتمالات الموت، وربما يكون تفاؤلها واستسلامها للعلاج سببًا فى تحسن حالتها وشفائها.

يفتح السيناريو خطوطا فرعية لتقديم نماذج أخرى تعانى نفس المرض، أهمها وأظرفها \”عم نعيم\” الرجل النوبى الكهل \”إبراهيم فرج\”، الذى أصبح صديقا للطرفين \”سليم وأمينة\” وشاهدا على قصة الحب التى ربطت بينهما.

أما حنان مطاوع التى أصبحت مثل عازف ماهر على أكثر من آلة موسيقية، فهى تقدم شخصية المرأة المحبطة التى تخاف الفشل مما يؤدي إلى وقوفها فى نفس النقطة، بينما الحياة تجرى من حولها.. تحاول \”سارة\” حنان مطاوع أن تثبت لابنها ولنفسها أنها يمكن أن تنجح وتحقق ذاتها، ولكنها تعانى من ضعف الإرادة بين الحين والآخر.

تسير الأحداث فى تدفق لا يسمح بلحظات ملل، والجدير بالذكر أن المخرج حسين المنباوي الذى سبق وأن قدم مسلسل الحركة الناجح \”عد تنازلي\” ثم فيلم \”شد أجزاء\” الذى ينتمى أيضا لأفلام الحركة والتشويق، يقدم مع مسلسل \”حلاوة الدنيا\” صورة رائعة التكوين وإيقاعا يتفق مع أجواء الرومانسية تدعمها كاميرا محمد مختار بحالة جمالية ملحوظة!

قدمت السينما العالمية معالجات متعددة وأفلاما رومانسية كثيرة أبطالها مصابين بالمرض الخبيث، معظمها تنتهى بوفاة أحد طرفى العلاقة، ربما يكون أهمها فيلم \”قصة حب\” الذى لعب بطولته رايان أونيل وآلى ماكاجرو، تم إنتاجه فى الستينيات وأبكى العالم بعد وفاة بطلته.

بعدها شاهدنا تنويعات ومعالجات كثيرة لنفس الفكرة.. الإنسان فى مواجهة الموت وعلاقته بذاته وبأقرب الناس إليه، وكيف يمضى ما تبقى من حياته بعد أن يعلم أن أيامه صارت معدودة.

أهم فيلم شاهدته عن اثنين يجمعها التمسك بالحياة بعد اكتشاف مرضهما، كان \”جريفين وفونيكس\” الذى تم إنتاجه عام 2006، وطبعا الفيلم المصرى \”أنت عمرى\” بطولة نيللى كريم وهانى سلامة.

والمعالجات سوف تستمر وتتنوع عن صراع الإنسان مع شبح الموت، ولكن -والشهادة لله- فإن مسلسل \”حلاوة الدنيا\” له خصوصيته ونقاط تميزه التى لا تشبه أي عمل آخر تناول نفس الحالة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top