\”بس شوفت لما ضربته على صدره\”.. كان مصدر الصوت قريبا مني، حتى إنني سمعته بوضوح، التفت بإتجاه المتحدثان، فوجدت أحدهما وقد إنفرجت أساريره.. لم يأخذ الأمر مني سوى ثوان حتى أدرك أنهما يتحدثان عنها.. مُحققة الآمال والطموحات التي تجيش في صدور غالبية الشعب المصري.. ساعات قليلة بعد انتشار الفيديو، وكانت بدون منازع فتوة حارتنا الجديدة، وحديث سكانها قاطبة.
في الصباح عندما كنت اطالع ما يتداوله مستخدمي مواقع التواصل، لفت انتباهي محاولة إخراجها بمظهر البطلة، حينها وصل إلى مسامعي صوت السائق عندما لفظها هو أيضا بصوتٍ خافت، بعدما قام ضابط المرور بسحب رخصة سيارته، لكن زميلاتي بالكلية كن أكثر جرأة منه، ربما إرتكازاً منهن على أن التي قامت بكسر القواعد من بنات جنسها، فأطلقتها إحداهن مُجلجلة عندما تجاوزت بوابة الكلية بعد صراعٍ مع الأمن: \”ربنا يوقعكم في واحدة زي ياسمين النرش تطرطر عليكم\”، فأجابتها صديقتها \”أو تشخ.. سامعاني يا كاميرات\”.
كان القانون ولايزال، محاولة بائسة من البشر لفرض المساواة بينهم، يتساوى في ذلك القانون الوضعي والإلهي، في النظم الشيوعية كانت أو الرأسمالية، لا جديد دائما يبحث الإنسان عن الحلم الغائب، يقاومون التفرقة بإشعال الثورات، إنتفاضات وهبات لا تنتهي، كما أن التفرقة على أساس الجنس واللون والطبقة الاجتماعية مستمرة لا تنتهي.
ياسمين النرش التي اعتدت على ضابط التأمين بمطار القاهرة، لن تتعرض للحساب.. لن يأخذ معها القانون مجراه كما تعودنا أن نسمع فقط ولا نرى لذلك أثرا، وإن حدث فسوف تكون نزيلة طرة لا غيره من سجون العامة، رغم أنها قامت باستعراض مُبهر تجاوز عدد مشاهديه على اليوتيوب حتى الآن المليوني مشاهد، غير أنها أصبحت الوجبة الإعلامية المفضلة لدى العديد من البرامج على اختلاف موقفها منها.
في مطلع القرن الماضي تعمد البوليس المصري ضرب كل من يلقون القبض عليه من الفتوات، التي إمتلأت بهم حواري المحروسة، في الشارع أمام المارة، تشجيعا لهم للجوء لسلطة القانون، وإثباتا لقوة قبضتهم وإحكامها، ولن تعدم قائلا يقول إن هذه جريمة وخروج على القانون.. هم مجرمون حقا، لكن حتى المجرم لابد أن يلقى معاملة آدمية.. ربما تكون على حق، لكن هذا الشعب اعتاد طأطأة الرؤوس للذين يثبتون أنهم أكثر قدرة من غيرهم على البطش والتنكيل، أو كما يقول خيري شلبي في رائعته \”صالح هيصة\”:
\”الشعب المصري لديه ولع غريب بشخصيات الخارجين على القانون المتسلطين القساة، ويجد الكثيرون لذة كبرى في الانصياع لأوامره والخضوع لسيطرته، بل ربما يزايدون على بعضهم البعض في اكتساب وده، ربما اتقاء لشره، وربما للاستقواء به في أمر من الأمور\”.
لا اعلم هل قرأ السيسي أو أحد ممن في المطبح السياسي هذه الرواية؟ لكن من المؤكد رغم غباء النظام، وترهل مؤسسات الدولة وفشلها، أنهم يعلمون هذه الحقيقة جيدا.. بادئ الأمر أثبتوا أن الإخوان غير قادرين على البطش، وإن رغبوا في ذلك، ثم برهنوا على أن رمز نظامهم الجديد \”عبد الفتاح السيسي\” بإمكانه قتل ما يقترب من الألف نفس في نصف نهار فقط، وأمام أعين الجميع من دون أن يحرك أحد ساكنا، هم يؤكدون أنه سفاح دون خوف من هبوط شعبيته، وحتى بعدما سقطت شعبيته قليلا عما كان، لا يوجد عاقل يستطيع أن يزعم بأن ذلك كان بفعل قتل 37 مواطنا بسيارة الترحيلات، أو بسبب مقتل \”ياسمين الصباغ\” بخرطوش للأسف لا يفرق بين أوزان مُتلقيه، وإن كنت تعتقد ذلك، ربما عليك أن تقرأ رواية \”صالح هيصة\” بتمعن في أقرب وقت.
تحولت ياسمين لدى عدد ليس بقليل إلى رمز إستطاع أن يكسر القانون دون أن تشغل بالها بالعواقب، في هذه اللحظات فقط يدرك الضباط أهمية محاضرات ضبط النفس التي تلقوها بأكاديمية الشرطة.. فعلت ياسمين ما يحلم به الكثيرون دون معرفة السبيل لذلك، وافتقار القدرة على فعله، ربما لو رشحت نفسها حاليا لأي منصب إنتخابي ستكتسح.. دور صبي المعلم/المعلمة دوما ما يلقى رواجا بين قاطني المحروسة.. صحيح لو أنها ليست سليلة بيت \”النرش\” لانتهى أمرها في الحال، وكان هذا الضابط الآن أحق بنبوت الفتونة بدلا منها، لكنه ضُرب على صدره واللي كان كان.
رغم الدوافع التي ساقت الضابط إلى ضبط النفس، ومهما كانت أفعال ضباط آخرين دافعة للشماتة والتشفي في المضروب على صدره، سيكون لزاما علينا ونحن نطالب بالمزيد من ضبط النفس، أن نطالب أيضا بكسر نبوت عائلة النرش.. علينا أن نكف عن صنع الفتوات، حتى لا يتعاقب علينا نبابيت السفاحين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.