معتز حجاج يكتب: ممنوع من التداول.. هل تجيد قيادات الجيش القراءة؟

عقب هزيمة 1967، جلس الكاتب الفذ في الشقة التي يقيم فيها بمفرده متسلحاً بعدد هائل من الوثائق، وخلف مكتبه سطر عنوان الكتاب الأخطر في القرن العشرين \”ممنوع من التداول\”، حظي الكتاب من اسمه نصيب، مُنع بعد أيام من صدوره، كما كاد أن يتعرض صاحبه للاعتقال لولا وساطة أحد أركان الدولة الناصرية، ولن تجد منه في أيامنا هذه نسخة ورقية أو pdf، كي تظفر بقراءته عليك أن تجري مسحا شاملا لجميع المكتبات التي تعيد بيع الكتب المستخدمة، ومكتبة والدك وأصدقائك وآبائهم، فمن المحتمل أن يسمح لك أحدهم – إن وجدت لديه الكتاب- بقراءته، بعد أن تقسم بأغلى ما لديك أنك سوف تعيده عندما تفرغ منه مباشرة.
لم يكن السبب الرئيسي في الهجمة العنيفة على الكتاب وكاتبه من قبل المسؤولين عن الهزيمة، فقط للمادة المعلوماتية الثرية التي استخلصها من سبع كتب إسرائيلية والعديد من الوثائق العربية والغربية، ولا للغة عندليب الصحافة \”محمود عوض\” السلسة الشيقة دون ابتذال، لكن ما ارتعدت لأجله فرائصهم تحليلاته هو لأسباب الهزيمة، كان على رأسها التحليل الذي أحرج نظام يدعي تطبيق الإشتراكية، وهو التفاوت في المعاملة والطبقة بين الجنود وصغار الضباط وبين قياداتهم، ورغم أنه قد مر على الهزيمة أكثر من نصف قرن، لا تشير شهادة أحد المجندين بسيناء على أحداث أول أمس الإرهابية على أي تغير قد حل.

\”جرب كده تسمع مرة لعسكري من العساكر\”:
في شهادته التي استهلها بـ \”أنا حيالله حتة عسكري..\”، صرح المجند بدون علمه بالمصطلحات العلمية لما يقول، عن  التفاوت في المعاملة فضلاً عن التفاوت الطبقي بين القيادات والجنود داخل الجيش، فيقول: \”جرب كده تسمع مرة لعسكري من العساكر، هتلاقي فيهم اللي ما شافش أهله ومفيش في جيبه مليم بقاله أكتر من 150 يوم، طب وصي ظباطك علينا يا عم، وخليهم يعاملونا حلو على طول زي ما عاملونا حلو وقت الهجوم وإتحاموا فينا، طب إسمع من عساكرك اقتراحات وآراء يا عم يمكن حاجة فيهم تنفعك، طب حسسه إن له تمن، بلاش تحسسه إنه مجرد طعم، حاجة مالهاش قيمة بترميها عشان تصطاد بيها كام إرهابي، ويا فرحتي بيك وإنت بتقول لأمه بعد ما يموت إن شاء الله هنجيب حقه يا حاجة\”
ويبدو أن الإستجابة لمقترحات المجند جاءت أسرع مما يتخيل هو، فبعدما وصل عدد إعادة النشر لمنشوره لثلاثة آلاف خلال ساعتين فقط، قام المجند بحذف المنشور وأغلق حسابه، نسأل الله أن يمر الحبس الإنفرادي عليه بسلام، وألا يُقدم غيره على هذه الفعلة حرصا على سلامتهم الشخصية، لكن ستبقى كلمته الكاشفة لحالة الجنود هناك مؤشرا على أهوال قادمة \”صدقني مش هتقدر عليهم رغم إنهم غلط وخونة وولاد كلب وإحنا الصح، بس هما مؤمنين أوي باللي بيعملوه\”.
تساؤلات مشروعة لا تضير الاصطفاف الوطني في شيء:
منذ وقوع الحادث الإرهابي ولم تكف الأقلام عن وصف أي متساءل عن حقيقة الأوضاع بالخيانة، هؤلاء لا يختلفون عن الإرهابيين شيئا، فالإرهابي يتخندق بالإسلام رامين كل امرء بالكفر، بينما يتخندقون هم بالوطنية واصمين غيرهم بالعمالة، وكأن إسكات الأصوات المتساءلة عن حجم الحادث في حد ذاته يعد دفع للروح المعنوية للجنود، أي جنود؟ الذين قتلوا أم من ينتظرون نحبهم في حالة يرثى لها؟ أم أصدقائهم وذويهم؟
أطلق لخيالك العنان عزيزي المتشنج بالوطنية، ودعنا نتصور سويا حالة أسرة أحد أفرادها يؤدي خدمته العسكرية بسيناء، كيف مر عليهم أول أمس وهم يطالعون بيانات الجيش المتضاربة حول عدد الشهداء والمصابين وصورهم واسمائهم؟
يكفي أن تعرف حالة والدة أحد المجندين في سيناء، المقربة لأسرتنا، فقد قضت اليوم بأكمله على سجادة الصلاة، وبين يديها مصحفها تغالب دموعها كي تستطيع تبين آياته، قبل أن يطمئنها باتصاله في منتصف الليل.. هل يعلم قيادات الجيش أن سرعة إعلان اسماء وأعداد الضحايا حق أصيل للمواطن؟ أم أنهم يعدونها ضمن البيانات التي يجب إخفائها حتى لا يصبح النظام والجيش المساند له في موقف محرج؟  لن تبحث كثيرا عن إجابة إذا علمت أنه حتى اللحظة التي أكتب فيها هذه السطور، لم نعلم على وجه الدقة هل الشهداء سبعون كما قال المصدر العسكري لجريدة المصري اليوم؟ أم سبعة عشر كما جاء في بيان المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة؟
وإذا كنا في جميع الأحوال مُدانون من قبل مرضى هستيريا الوطنية، وأصحاب شعار \”لا صوت يعلو فوق صوت المعركة\”، فلن يضيرونا أن نمضي أكثر في التساؤل، وعلى الوطنيين حد الجنون الإجابة:

– معظم الشهادات الواردة من مجندين في الأماكن التي تم مهاجمتها بسيناء، والتي أوردنا مقطتفات من إحداها، تذكر أن ميعاد العملية الإرهابية كان معلوما للقيادات والجنود، ورغم ذلك وقعت خسائر فادحة، ماذا لو كان الهجوم مُباغتا؟ ومن المسؤل عن التقاعس؟
– تقول التقارير الواردة الرسمية منها وغير الرسمية، إن ضباط سابقين بالجيش وراء العمليتين الأخيرتين تدريبا وتخطيطا، بالإضافة إلى أن الصور التي نشرها المتحدث الرسمي للإرهابيين الذين لقوا مصرعهم، ظهر فيها أن للإرهابيين زي موحد، ومن الواضح أنهم متلقون لتدريبات عالية مكنتهم من رصد وتنفيذ عمليتين بهذه الخطورة.. في هذه الحالة، وبعد أن أصبح الجيش نفسه مفرغا للإرهابيين علينا أن نسأل، بل كي نكون دقيقين، أن نعيد سؤالا سابقا، طرحه شهيد الكلمة فرج فودة الذي يتصايح باسمه مضطربو الوطنية، ما هي الميول الفكرية التي يعتنقها الضباط؟ وهل هناك برامج تثقيفية لتلافي سقوطهم في التطرف؟
– إلى الآن، ورغم كل الدراسات التي نشرت وتؤكد على الإنفصال الواضح بين طبيعة الإرهاب في سيناء تحديدا، وبين تنظيم الإخوان الذي يشرع في إرهاب من نوع آخر، لا مجال هنا لتفصيله، تصر القيادة السياسية على الربط بينهما، فإذا أحسنا النية بهم سنتوقع أنهم يمتلكون دلائل على هذا، لما لا يكشفون عنها؟ ألا يؤدي ذلك لتحسين موقفهم السياسي في خصومتهم مع الجماعة؟ أم أنهم يستخدمون خسائر الإرهاب البشرية والمادية لتحسين موقفهم السياسي أمام الجماعة؟
إذا كانت إجابة السؤال الأخير بنعم، سيكون المصير مؤسفا لنا جميعا، فهذه الشوارع لا يستخدمها المتشدقون بالوطنية أو أسرى المدينة المحمدية من الإسلاميين أو كاتب هذا المقال وحدهم، هذه الشوارع عندما تغرق في الدماء سنضار جميعا، ربما وقتها قد يقرأ قيادات الجيش كتاب عوض \”ممنوع من التداول\”، كي يستطيعوا الإجابة على كل هذه التساؤلات، لكن سنكون تكبدنا خسائر فادحة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top