معتز حجاج يكتب: متى فقدنا القدرة على الحلم؟!

مع الوقت وطول عشرة عمال المقهى، ظفرنا أخيرا بالمكان اللائق بزبائن قدامى كقدامى المحاربين، تقع طاولتنا في موقع إستراتيجي تتوسط حافة الرصيف، بعيدين عن جلبة التلفاز، لكنه يقع في مرمى أبصارنا تماما، كما أننا في هذا المكان في مرمى بصر العامل، بذلك نضمن ألا يغفل عن طلباتنا المستمرة طالما استمر حديثنا عن الدنيا وأحوالها.
منذ شهر مضى ونحن نستقبل في مجلسنا يوميا خبر تخرج أحد رفاق المقهى، نمطره بالتهنئة، ومشروب مجاني، وفيض من النصائح.. انتهي من أوراق التجنيد سريعا، لا تدع فرصة عمل بالخارج تهرب من بين يديك، احرص على العمل الحكومي، الخاص يضمن لك حياة كريمة أكثر.. كثيرة هي النصائح، وأكثر منها الأسئلة التي تدور بخلدي، من كان منا منذ أعوام مضت يتخيل استسلامه للمقادير بهذه الصورة؟
\”أخفى الله الموت، وتفاصيل النهاية، إذا لم تكن تدخر لنا مفاجأة فما معنى أي شيء\” رواية \”أيام وردية\” – علاء الديب.

كان أكثر دفعتنا ذكاء، عيناه بها أحلام كثيرة يتطلع لها، ونبوغه يؤهله لذلك، تفوق علينا في أغلب المواد الدراسية منذ الإبتدائي، كانت أمنيته دراسة الهندسة، انتهى به المطاف ومكتب التنسيق بخريج كلية تجارة، الأسوأ من ذلك، أنه لا يفقه عنها شيئا.. يقول بجدية موظف يعد أوراقه لعمل شاق \”قانون أبناء العاملين يضمن لي وظيفة بمصلحة الضرائب، لكني أرسلت أوراقي أيضا لعدد من البنوك الخاصة وبها توصيات كثيرة من معارفنا\”.. ثلاث سنوات تفصل المتحدث عن معركة حامية خضناها معا ضد موظف مرتش بأحد المصالح الحكومية بعد الثورة، يومها لعن الواسطة والمحسوبية والرشوة والفساد الحكومي.. أراه اليوم استسلم سريعا للقانون الشفوي، لقواعد الأمور الراسخة، هذا الذي ما آمن يوما بأي ثابت خضع للمنظومة تحت وقع الهزائم، هزائم مكتب التنسيق، وعذاب استخراج ورقة الإعفاء من التجنيد، وسيرك التربية والتعليم القومي، وهزائم الثورة، وهزائم جيل كامل تفتح وعيه عليها.

أضاف آخر؛ إثنى عشر سنة ندرس اللغة الإنجليزية بالمدرسة والكلية ولا نقبل في عمل إلا من خلال كورس مدته أقل من عام، لماذا كان جهد الدرسة إذاً؟ ولماذا يدعون بأن التعليم مجاني؟ فلا هو مجاني ولا هو تعليم، بنفس الصراحة إعترف بأنه لهذا السبب حرص على حصد شهادات تدريبية كثيفة، مهما كان عدم جدواها، المهم أن السيرة الذاتية منتفخة، كمعدة موظف الشركة الذي إمتحنه في مقابلة عمل منذ أيام.
من الصعب أن ترى الجميع يحزم حقائبه، يسبح مع تيار الحياة الرتيب، ثقلت عليه المقاومة، سيصبح عن قريب موظف في الدولة، قابل بنظام يحتقره، أو مغترب باحث عن تحقيق أكبر قدر من المال في الغربة، ليعود إلى وطنه ويرتقي درجة في السلم الاجتماعي، ربما يقع حظه تحت رحمة نظام الكفيل في السعودية التي طالما أمطرها بسخريته على الفيس بوك.. الرشوة والواسطة ستسرع الأمور، لا بأس بقليل منها، الأوراق المختومة مهمة، الأوراق تعيش حيواتنا، هي في الحقيقة الشيء الوحيد الحي تحمل أسماء أموات، تنقلهم من مرحلة إلى أخرى، وفي كل طور تسقط أحلام، وتتغير مواقف، ترى من ذا الذي يؤيد بقاء تلك المنظومة؟!
تنبهت إلى أنه بيننا بالفعل من ارتبطت حياته باستمرار النظام، بالاستقرار، بعجلة الإنتاج، وقريبا قد نصبح جميعا من مادحي عجلة الإنتاج وعبيدها، سحقت الآمال تحت أرجل متطلبات الحياة اليومية، وانخفض سقف الأحلام أو تلاشى، لا أعلم بالضبط، لكن حلم الخلاص العام أصبح فرديا، قوارب النجاة لا تسع الجميع، غدا سيتطلع الأصدقاء لرقعة أرض أسفل قدميك، سيفرض عليك خوض صراع البقاء كسائر أقرانك، وقد نلتفت بين الحين والآخر لنسأل أنفسنا، لماذا أصبحنا ندافع عن بقاء المنظومة؟ متى وقعنا في شركها؟ ومتى فقدنا القدرة على الحلم؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top