معتز حجاج يكتب: لامؤخذة مختلف

ليس بالأمر الهين أن تكون طالباً ذكراً بمدرسة حكومية بصعيد مصر، وتخطئ مثل هذا الخطأ الفادح، أن يتعلق قلبك بهواية أخرى غير كرة القدم.. اللعبة الرسمية بين الذكور بالمدرسة، إن هذا الأمر سيعرض مركزك بين أقرانك للخطر، بالله عليك لا تقل لي أيضاً أنك تهوى الرسم أو الكتابة أو القراءة مثلاً، هذه هوايات بنات كما تعمل، هل تعرف عاقبة ذلك الجرم؟!
منذ اللحظة التي سينتشر فيها الخبر بين زملائك ستكون منبوذاً، سيتحتم عليك أن تتحمل وابلا من السخرية المرة التي ستنال من كل نقاط ضعفك، من كبر أنفك، من شعرك الأكرت.. إياك أن تغضب أو ترتبك، كلما غضبت علموا أنهم أوجعوك ولن يتراجعوا، سيضغطوا أكثر وأكثر حتى تصبح تسليتهم الوحيدة بين فواصل الحصص، لا تقل عزيزي إنهم أطفال يلهون، هم أطفال صحيح، لكن المجتمع زرع فيهم ألا مكان هنا للإختلاف، حتى لو إختلاف بسيط، إختلاف فيما يميل له قلبك، دعني أُطلعك على فيلم يوضح لك ما عانيت كي ترى الصورة بشكل أفضل.
تقف كندة علوش خلف أحمد داش كي تقص له شعره قبل الذهاب إلى المدرسة.. وجهها يحمل علامات إضطراب وقلق على ما سيؤول إليه مصير طفلها، بينما الطفل غير مكترث، ثم تبدأ في تنبيهه بأنها سوف تقص عليه الآن تعليمات خطيرة قبل ذهابه للمدرسة الحكومية الجديدة، بعدما هبط مستواهم المادي، وصاروا مضطرون لذلك:
في شوية حاجات لازم أفهمها لك قبل ما تروح المدرسة الجديدة دي.
ما تقلقيش أنا قريت كل حاجة على النت.
سيبك من النت.. أنا مش عايزاك تصاحب حد في المدرسة دي، ولو حد سألك ترد على قد السؤال، وما تتكلمش مع حد خالص في الدين، فاهم ولا لأ؟
فاهم.

بهذا المشهد من فيلم \”لا مؤخذة\”، لخص عمرو سلامة أزمة أن تكون مختلفاً في مجتمع نمطي لا يقبل الإختلاف، أن تكون أقلية، شيء أشبه بالسباحة عكس التيار.
رأيت في شخصية \”هاني عبد الله بيتر\”.. يوسف صديقنا المسيحي، ويعتبر الطالب المسيحي الوحيد المنفتح على شلة أخرى غير تجمعات المسيحيين بالمدرسة، كثيراً ما عرضه هذا لسماع سخرية المسلمين – الذين لا يعلمون ديانته أو أسقطوه سهواً من حسبانهم- بأذنيه، وكل مرة يحدث هذا أتعجب من قدرته على التحمل وإصطناع الهدوء، وسرعة بديهته التي تجعله يقارع بالسخرية البادئ بها، ودائماً ما كان ينتصر عليهم، ويجعل المسلمين قبل المسيحيين يضحكون دونما تجريح في عقيدة الأغلبية، لأنه يعلم أن أي رد للإساءة بمثلها سوف تُقلب حتى المتعاطفين معه من المسلمين عليه، وقد تكون نتيجتها إشتباكات بيننا أمام المدرسة، وربما تصل إلى الكبار ويشهروا أسلحتهم في حرب المقدسة.
قصص الإضطهاد والعنصرية التي رأيتها في مدرستي كثيرة، رأيت فيما رأيت إضطهاد مدرس أشيع عنه أنه تشيع، فطلب نقله حتى يهرب من تجهم زملائه، هكذا تعلمت أن النموذج المثالي للمواطن الصالح أن يكون ذكراً مسلماً سنياً، مع بعض الإضافات مثل، أن تظهر أنك عصبي جداً، حمش جداً جداً، وأن تظهر هذا للجميع بمناسبة أو بدون، لكن القدر لايزال يخبئ لي أشياء لا أعرفها عن النموذج المثالي، أنه مثلاً لا تحاول أن تتكلم بلهجتك الصعيدية في مدرج كليتك إن كانت الكلية في وجه بحري، هذا سيعرضك لسخافات دكتور يرى في نفسه صاروخ الكوميديا القادم، وربما قص عليك حكاية الصعايدة الذين قاموا بشراء ترماي السيدة زينب.
أرجو ألا يأخذ القارئ معنى كلامي هذا أنني ضقت ذرعاً بوطني، هل يعقل أن أكره أم الدنيا؟ حتى لو لم أعلم لماذا هي أم الدنيا؟
كل ما في الأمر أن النماذج المثالية للمواطن الصالح تشابهت علينا، وقد وصل الأمر أن يتم سحب رخصة الموظف المثالي ممن يمتلكون وزناً زائداً، بأمر من وزير الثقافة للموظفة غير المثالية عزة عبد المنعم.. كيف لم يبلغني أحد بهذا الأمر من قبل؟ ماذا أفعل الآن في الـ20 كجم الزائدة عن وزني؟ ثم من يضمن لي إن قمت بخسارتهم ألا تسحب الحكومة الرخصة من أصحاب الوزن المثالي؟!
أنا لا أطلب أكثر من حقي، لا أخرج عن المألوف، فأنا لم أعد إلى سكة المظاهرات وكلام من يريدون عرقلة مسيرة التقدم، كل ما في الأمر أنني تائه، بالأمس القريب كان الرجل اللي ما لوش كرش ما يسواش قرش، الآن الموقف تغير تماماً، موضة الشعر الهائش قد انتهت، وحل محلها الرأس الحليق، كل المقايس المطلوبة تتبدل والمجتمع وكبار المسئولين فيه لا يتسامحون، لذا أطالب الدولة أن تتدخل لوقف هذه المهزلة، أن تستصدر لكل مولود مع شهادة ميلاده نموذجا موقعا من إثنين موظفين للمواطن الصالح المثالي، تحدد بها لكل مواطن الوزن المناسب واللون المناسب والطول المناسب ومحيط الصدر والبطن والأرداف في اللحظة التي ولد بها، فكما تعلمون في مدينتنا كل يوم هناك جديد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top