وسط كل هذه الفوضى والخراب الذى نعيشة فى منطقتنا التعيسة من حروب ومجاعات وأنظمة قمعية ومستوى اقتصادى ضعيف وتفاوت طبقى فج، يحدث كل هذا ثقبا فى الطبيعة الإنسانية البشرية التى تنفر من كل ما هو غير طبيعى، لا عجب أن تفعل بنا الأنظمة كل هذا من أجل مصالحها، ولكن الأمر الجلل هنا أن يتحول المواطنون الضحايا إلى حالة فجة من فقدان الإنسانيه.
هذه الشعوب التى شهدت حروبا حقيقية من قصف وقتل فى سوريا وليبيا والعراق، وقمعا منقطع النظير فى مصر والسودان وتونس والأردن، واحتلالا فى فلسطين، ومنطقة الخليج التى لا تقتنع أن العالم وصل للديموقراطية منذ أمد.
هذه الشعوب رويدا رويدا تفقد إنسانيتها ولا يحّرك فيها شعرة أن يُقتل مواطن فى الطريق، أو يتم القبض على أصحاب الرأى، أو أن ندخل حربا من أجل وجهة نظر قبلية ضيقة، ولا مشكلة لديهم فى مباركة هذه الإجراءات وإعطائها طابعا شعبيا.
الانغلاق على النفس الذى وجدناه فى محيطنا منذ أن أدركنا محيطنا، خلق نوعا من الغضب الكامن الذى لا ينتهى، السلطة والتطرف يريدونك دوما غاضبا.. غاضب من العالم الذى تعتقد أنه يتآمر عليك، أو غاضب على جميع الأديان الأخرى، لأنهم أفهموك أنهم ضالون، ويجب علينا وقف ضلالهم، أو غاضب من ذلك الشاب الذى ينسدل شعره على كتفه لأن هذا لا يجوز، أو غاضب من صاحب وجهة نظر سياسية مختلفة، وتسأل نفسك دوما: لماذا لا يكون مثلي؟
الأسوأ من الحالة المزرية التى وصلت إليها بلادنا، هو الحالة النفسية التى وصل إليها مواطنو هذه الدول.. تلك اللحظة الفارقة التى تحول فيها البؤس إلى غضب مشتعل فى الصدور.. ضد من الغضب؟ لا يهم!
المهم أن هنالك غضبا تحاول الأنظمة دوما توجيهه خارج إطارها، بل وفى أغلب الأحيان تصنع لهم أعداء وهميين لكى يفرغوا طاقتهم وبؤسهم وفقرهم فيهم.. يوهمون الشعوب بأنهم هم القائد والمعلم وصاحب القرار لكى يرضي كل فرد نرجسيته الشخصية.
اسأل نفسي مرارا: هل سيستمر هذا الغضب على هذه الوتيرة؟ هل ستسطيع الأنظمة ترويضه وصناعة الدمى له كى يحطمها؟
أنا لا استطيع أن اتنبأ بالقادم، كل ما أعلمه أن هنالك قنبلة تم البدء فى صناعتها منذ سنوات، وهى الآن فى طور أنفجارها.. أين ستنفجر؟ ومتى؟ ولماذا؟ فعلا لا أدرى وأعجز عن الاستنتاج!
اتابع هذه الأيام المسلسل الأمريكى the walking dead.. أحداثه باختصار أن العالم أصابه فيروس غامض يجعل من يصاب به يصحو بعد الموت كزومبى لا يملك إرادته ولا وعيه.. هو يسير ويأكل البشر فقط.
نعم.. نحن لسنا بعيدين عن هذا الفيروس إن لم نكن أُصبنا به بالفعل!
نحن أصبحنا فريسة لعالم استهلاكى ينهكنا اقتصاديا ونفسيا، ويجعلنا لا نرى أمامنا سوى النقود.. نعيش من أجل أن نحصل عليها، وسوف \”نأكل\” أي شىء يحول بيننا وبين النقود.. فقدنا إنسانيتنا من أجلها، أصبحنا نبتعد عن الضحية لكى تتركنا السلطة نرجع بسلام إلى جحور النمل التى نعيش بها ونكمل حياتنا سعيا وراء النقود.. سعيا وراء نظام مالى هم من صنعوه لنركض داخله فى دائرة مفرغة لا تنتهى.. تماما مثل الفئران.