مصطفى ماهر يكتب: أربعة كاريكاتيرات تكشف كراهية محمد سلطان لأمريكا ومبادئها وديمقراطيتها

ظهر محمد سلطان عقب الإفراج عنه مقابل تنازله عن جنسيته المصرية واحتفاظه بالأمريكية، في مقطع فيديو مدته حوالي خمس دقائق، تم تسجيله أثناء فترة حبسه، بجودة صورة عالية وبإضاءة جيدة وبثقة في النفس أثناء توسله بالرئيس الأمريكي باراك أوباما وتغزله في العلم الأمريكي ومبادئ الديمقراطية والحرية والمساواة التي تربى عليها هناك.

وبعيدا عن تخوين سلطان أو النيل منه، فهو مثل شباب كثيرين هجروا أوطانهم برغبتهم أو برغبة آبائهم، ثم بدأت أفكارهم وانتماءاتهم تتغير شيئا فشيئا، وباتوا يؤمنون بأشخاص وسياسات قد تكون مناقضة لوطنهم الأم ولجذورهم أيضا، خصوصا إن كانت جذورهم إسلامية متشددة مثل سلطان، فوالده هو الدكتور صلاح سلطان، داعية سابق على قناة الناس الفضائية والقيادي بما يسمى \”التحالف الوطني لدعم الشرعية\”، وصاحب كتابي مشاركة المسلمين في الانتخابات الأمريكية، والتكوين العلمي والفكري للقرضاوي، وخطيب الإخوان في اعتصام رابعة قبل فضه.

سلطان الذي طلب أو قبل التنازل عن جنسيته الأصلية، كان له موقف مغاير من السياسة والديمقراطية الأمريكية التي أظهر عشقه لها في الفيديو الشهير، لكن ذلك قبل حوالي 7 أعوام، فعلى صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي \”فيسبوك\”، أظهر تعاطفه مع سكان قطاع غزة عام 2008 الذي شهد هجمات إسرائيل الغاشمة على القطاع، انفعل سلطان بنزعتيه العربية والإسلامية، ونشر ألبوما كاملًا لعدد من صور الكاريكاتير التي رسمها البرازيلي \”لاتوف\”.

وفي إحدى الصور التي نشرها سلطان يوم (12 مارس 2008)، كاريكاتير يعبر عن مدى العلاقة الوطيدة بين قوات الاحتلال الإسرائيلية والولايات المتحدة الأمريكية، وحمل الكاريكاتير المناهض لأمريكا عنوان \”white washing crimes\”، أوضحت الرسمة كيف تغسل أمريكا من خلال رمزية العلم الأمريكي على شكل \”حنفية مياه\” يد جندي إسرائيلي مدجج بالسلاح من آثار دماء شهداء غزة.

الفرق بين هذا الكاريكاتير الذي يدين أمريكا من خلال رمزها \” العلم ذو النجوم\”، وبين حديثه في الفيديو الذي قال فيه إنه \”يعشق نجوم العلم الأمريكي\” ليس مرور 7 سنوات فقط، إنما فرق يعبر عن تحول كبير أصاب هذا الشاب الذي بدا بسيطًا من تصفح ما ورد على صفحته الشخصية قديما.

وفي رسمة أخرى لذات الرسام البرازيلي، نشر سلطان كاريكاتير يظهر فيه شخص يرتدي قبعة بلون العلم الأمريكي كرمزية لـ\”العم سام\” وبجواره صورة الأمين السابق للأمم المتحدة كوفي عنان وهو مقيد بالأحبال عاجزا عن التحرك، يشاهدان نشرة إخبارية على التليفزيون تقول إن \”مدرعات ودبابات إسرائيل اقتحمت قطاع غزة لاعتقال وزير فلسطيني\”.

فقال العم سام: \”إسرائيل لها كل الحق في الدفاع عن نفسها من الفلسطينيين\”، فرد أمين الأمم المتحدة: \”ومن يحمي الفلسطينيين من إسرائيل؟\”.

سلطان الذي آمن بأن سياسات أمريكا تشجع إسرائيل على مزيد من القتل والعنف تجاه الشعب الفلسطيني حين كان عمره 19 عاما، أصبح الآن مؤمنا بأن أمريكا هي وطنه وأرض الأحرار والشجعان التي تربى عليها، ويفتخر بعمله لصالح الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما، (ربما في العام نفسه الذي ساعدت فيه أمريكا إسرائيل في حربها ضد غزة). وأكد في حديثه الأخير أنه يؤمن بنفس قيم ومبادئ هذه الأمة العظيمة: \”الحرية والتحرر والسعي وراء السعادة والعدل للجميع، وأن كل البشر متساوون\”.

وفي كاريكاتير آخر نشره سلطان في ذات اليوم الذي نشره فيه باقي الصور، رسمة تظهر وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس وخلفها العلم الأمريكي مغطى جزء منه بأدخنة الحرب في غزة المشتعلة أسفله، وتقول رايس بشكل دعائي لمنتج غذائي أمريكي سماه الرسام \”جرائم الحرب- خالي من القانون\”، إن \”رائحة اللحم المحروق تبدو جيدة جدا\”.

ويبدو من الرسمة السابقة أن الشاب ذو المرجعية الإسلامية والجنسية الأمريكية كان يرى أن الولايات المتحدة بلدا دمويا يعشق القتل ويشجع على الحرب عام 2008، لكنه قال عكس ذلك في تسجيله الذي ظهر فيه عام 2014، حين أكد أنه  جاء لمصر لتوثيق \”جرائم ضد العدالة والإنسانية والديمقراطية ويشارك مبادئه الأمريكية مع المصريين والشباب\”.

لم تعلن أمريكا أنها غيرت مبادئها خلال الفترة الأخيرة، ولم تقل إن موقفها في دعم إسرائيل (الذي هاجمه سلطان في وقت سابق) سيتغير ويتحول دعما للمساواة العالمية ومطالبة بمعاملة أطفال غزة مثل معاملة أطفال تل أبيب.

رسمة أخرى قال عنها سلطان \”إنها الرسمة المفضلة لديه\”، أظهر فيها \”لاتوف\” الحرب على غزة كأنها حمام سباحة على الشكل الجغرافي لقطاع غزة، ممتلئ بدماء وجماجم الضحايا يخرج منه إيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، ويسترخي فيه \”العم سام\” بابتسامة عريضة واضعا القبعة الأمريكية بجواره، وكأنه يستريح بعد نجاحه في إسالة الدماء.

وتظهر الرسمة أيضا الأمين الحالي للأمم المتحدة بان كي مون، وكأنه يعمل نادلا ويحضر كوبا من \”الدم\” للعم سام وهو ينظر لأولمرت، وأمام حمام السباحة جسد \”لاتوف\” الغرب في شخص يسترخي أمام السباحة وهو يقرأ صحيفة بوجه غاضب.

ثلاثة مشاهد تختصر رحلة سلطان من السجن إلى أمريكا، تجعل البعض يحتار في اتخاذ موقف تجاه هذا الشاب أو تجاه أزمة الاستغناء عن الجنسية.

الأول حين اختار سلطان الإضراب عن الطعام لإجبار السلطة على إطلاق سراحه، ولم تستجب الدولة وكأن بينها وبين هذا الشاب خصومة، والثاني حين حكمت عليه المحكمة بالمؤبد في القضية المعروفة بـ\”غرفة عمليات رابعة\”، والأخير عندما فوجئنا بمحمد سلطان يتنازل عن جنسيته المصرية ويسافر في نفس اليوم الذي أذيع فيه الخبر إلى معشوقته أمريكا.

إذا كان سلطان تنازل عن جنسيته تحت وطأة الظلم والإجبار، فإنه الآن يمكنه أن يسترد حقه ويقاضي الدولة لاستعادة جنسيته الأصلية (إذا كان يعتبرها الأصلية)، ويمكنه أن يعلن عن تفاصيل تنازله عن الجنسية وحقيقة مقطع الفيديو (ذات الجودة العالية) أمام الرأي العام الذي اهتم بمتابعة أخباره منذ إعلان إضرابه عن الطعام العام الماضي، وحتى آخر صورة له مع البيتزا قبل أيام.. وإذا تناسى سلطان ذلك، فمن المؤكد أنه الآن سعيد بدون جنسيته.

mostafamaher01@hotmail.com

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top