مصطفى عادل يكتب: ماذا يريد الله منا؟!

\"\"

تعساء، تحوم حولنا الأهوال من كل صوب، بلادنا ممزقة مشتتة، أحدنا مترف في الفسق، والآخر منهك بالحرب. خير أمة أخرجت للناس، هي شر أمة على الأرض الآن، مشتتة مهترئة لا تملك قوتها ولا صوتها.
فعندما يحل البلاء -دونًا عن العالم- لا يحل إلا علينا، عندما كانت الحرب فكانت في فلسطين ثم لبنان ثم سوريا ومصر ثم العراق والآن العراق وسوريا مجددًا، عندما هبط الجفاف وكانت المجاعة لم تكن إلا في الصومال، وعندما حلت الفتنة لم تحل إلا في خليجنا العربي. ونحن الذين أسلمنا لله أرواحنا وديننا ودنيانا، نحن الذين بايعنا رسول الله على الإيمان والجهاد والتقوى. نحن من نصلي لله خمسًا ونحني له ظهورنا ركعًا سجدًا. نحن من نقتطع من أموالنا صدقة للمساكين الفقراء، الذي لو أراد الله أن يرزقهم لفعل.
وناهيك عنّا، فربما حل علينا البلاء لذنب اقترفناه ببعدنا عن الطريق، ولكن ما بالك بهؤلاء الفقراء المعدمين في أدغال أفريقيا، الذين تصب الأمراض والفقر والجفاف والمجاعات صبًا على رؤوسهم فتسقم كبارهم وصغارهم، ولا تفرق بين رجالهم ونسوتهم في شئ، ماذا يريد الله من هؤلاء. ماذا اقترفوا في حق الله؟
إن كثيرين ينظرون إلى الله كسيد متغطرس سادي يستمتع بتعذيب خلقه -حاشاه- لماذا لا يرزق الرب هؤلاء الذين خلقهم في غياهب الجوع والذل، أوليس أمره نافذ، ويقول للشئ كن فيكون؟ لماذا لا يصدر الأمر فيتحول الرماد من حولهم كلأً تأكل الطيور والأنعام منه وتسمن فتعيد لهم بريقهم وتنوعهم مرة أخرى، لماذا لا يأمر الله السحاب بأن يقطع بعض الأميال من سماء أوروبا الزرقاء المشرقة إلى وسط أفريقيا جنوبًا حيث المشردين والجوعى والضعفاء، هل الله ضعيف بهذا القدر فينتظر إلهًا آخر يأتي لينصف الضعفاء؟ أم هو فقط يتلذذ بضعف هؤلاء العبيد الأذلاء؟
أحيانًا أرى الأمور بتلك العين، وتزداد دهشتي كلما رأيت الناس يهيمون على أوجههم عابرين في الطرقات مثقلي القلوب منهكي الأرواح، لا يدرون ما الذي اقترفته أيديهم ليواجهوا كل هذا البلاء؟ ولكني أخلص في النهاية إلى أنه بلاء، فخطر في خلدي مرة نوع من أنواع التفكير المنطقي عن ماهية البلاء وسببه، وخلصت إلى إستنتاج واجتهاد شخصي ليست قاعدة فقهية أو شرعية ولا يعتد بها إلا مني.
إذا وجدت أي نهاية في هذا الكون فلابد أن يكون لها أكثر من مسار واحد، فإذا أردنا استخلاص البنزين مثلًا يمكننا إما أن ننزع الأوكسچين عن الفينول أو عن طريق البلمرة الثلاثية للاستيلين. وكذلك إن أردنا أن نحظى بوليد، إما أن نلجأ للقاء الجنسي المباشر، أما في الحالات الإستثنائية نلجأ إلى التلقيح الصناعي، وهكذا دواليك مع كل نهاية نريد أن نصل إليها فهنالك غير طريق نسلكه لكي نصل. حتى الجنة ذاتها -التي حصرها بلا حق موظفو الولوج بيننا في هذه الدنيا على فئة قليلة فقط من البشر- فلنا نحن المسلمين هنالك طريق واحد مستقيم صريح ينتهي بنا إلى الجنة، ولكن هنالك طرق أخرى أيضًا أهمها رحمة الله. نحن فقط لا نعلم.
والبلاء هو أحد تلك الطرق التي أقرها الله للسلوك كلما أراد أن يصل إلى ما يريد، الطريق إلى مبتغاه.
وبغض الطرف عن أعظم أسئلة الوجودية شأنًا والذي يتطرق محوريًا إلى سبب وجودنا من الأساس، فإن أحد أسباب بقائنا ووجودنا هو التكافل، وبعيدًا عن الآيات القرآنية التي لن أستخدمها فأنا لست رجل دين، أنا مجرد رجل سئ في هذا العالم، ولكن عندما رحل محمد بالمهاجرين إلى المدينة المنورة شارعًا بالهجرة، وضع أساسًا من أسس الدولة التي بناها هنالك ألا وهو التكافل، أن كل رجل يحمل أخيه، كل رزق لدى واحد هو رزق الآخر، فآخى محمد بين المهاجرين والأنصار، فاقتسم الفريقان الديار والمتاع والأموال، وكان هذا أقرب مثالا وأشدهم برهانًا على أن هذا ما يقصده الله بالضبط.
هل الله غير قادر على أن يأوى أتباع محمد المعدودين الذين آمنوا به رغم أن براثن قريش تمزق في أجسادهم وأموالهم، ألا يقدر الله فقط على أن يضاعف الرزق للمهاجرين وينشئ لهم من العدم أموالًا وأنعامًا ومتاعًا، أليس هذا ما يحدثنا عنه الله بـ\”كن فيكون\”؟
بلى، يستطيع الله فعل هذا كله، وكذلك يستطيع أن يلين قلوب قريش ويجعلهم مؤمنين، ويدخل الإسلام في كل ربع وبقعة على الأرض، وأن لا يكون هناك زناة ولا لصوص ولا مجرمين، يستطيع الله أن يجعل كونًا من المؤمنين، ويميتهم ليحيي قومًا أُخر مؤمنين، ليميتهم ويفني هذا الكون ليصنع آخر كافرًا فيتلذذ بتعذيبه حتى يفنيه وينشئ آخرًا مؤمنًا معتكفًا لعبادته هو الواحد القهار، ولكن ما المعنى من كل هذا؟ ما القيمة في كل هذا؟ لا تظهر قدرة الله إلا في تناقض خلقه، إن كان كل الرجال صالحين وكل النساء طائعات فما الهدف؟
إن معجزة الخلق في اختلافهم، ولذلك جعل الله لكل منا حاله الخاص وظروفه وقَدَره، فجعل فينا الضعيف المحتاج، ويأمرنا أن نشفق عليه ونخفض له جناح الرحمة ونعطيه مما أعطانا، ووعدنا جزاءًا لعملنا البركة والرزق. فحينها علينا أن نطبق مبدأ التكافل الذي أقره النبي في المدينة بأن نأتي المال على حبه المساكين والفقراء والمشردين.
هكذا يكون المعنى والهدف، فالله ليس حاكم الدولة ولا زعيم القبيلة ونحن مرؤوسيه حتى نثور عليه عندما لا يعطينا المال، عندما لا يجعل معيشتنا أكثر كرامة.
إن الله رحيم ويسوق الرزق لعباده بعباده، فيجعل العبد يهبط من داره في غير موعده ليرى عجوزًا شاردةً تائهةً لا تدري إلى أين رحيلها، فقط ليخفف عنها ويحمل لها رزق الله. فكلنا لبعضنا رزق الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top