مديوكر ( (mediocreهي كلمة تعني المتوسط أو العادي, ظهرت في القرن السادس عشر في فرنسا, وتطلق حاليا على عديمي الموهبة أو محدودي الذكاء, باختصار المديوكرز هم الأشخاص الكومبارس في العالم, التروس في الآلات, الذين إذا ماتوا لن يتذكرهم سوى عائلاتهم وبعض من أصدقائهم.
ولتلك الكلمة بمعناها المعاصر مؤيدون ومعارضون، فمنهم من يري أنها تحوي عنصرية فكرية بغيضة، لأن صفة الذكاء صفة موضوعة من الخالق ليس للبشر يد فيها, ويرون أنها تحتوي على قدر من الغرور لا بأس به أيضا. وعلى الجانب الآخر, هناك المؤيدون للكلمة، فهم يرون أن الذكاء صفة تنمى بالتدريب والممارسة والقراءة, وأن من يظل شخصا متوسطا، فهو متخاذل أو كسول ويستحق أن يطلق عليه لقب \”مديوكر\”.
عموما, ليس هذا موضوعنا, لم نأت لنتحدث عن أصل الكلمة ومؤيديها ومعارضيها.
نحن قد جئنا لنتحدث عن بلاد المديوكرز, لن أخبركم أين هي، لكن سأدعكم تخمنون.. هي بلاد يمشي فيها البشر بلا هوية, ولا فكر يميزهم عن غيرهم. ماضين في قطعان, أيا كان نوع القطيع, قطيع سياسي, ديني, رياضي.. قطيع من المستهلكين للأفكار التي تُلقن عليهم من أشخاص آخرين, والمدافعين عنها بضراوة, بدون التفكير فيها.
قطيعٌ يستهلكون جُلّ حياتهم في البحث عن وظيفة, ثم البحث عن عروس لكي يقضي حوائجه الإنسانية الأولية, ثم إنجاب الأطفال, ثم العمل والعمل والعمل, ليس من أجل العمل في حد ذاته أو تنمية المجتمع، لكن من أجل إطعام تلك الأفواه الجائعة, ثم الموت تاركا أبناء لا يختلفون عنه كثيرا حتى يكررون دورة حياة المديوكر.
وأهم ما يميز الشخص المديوكر هو أنه محب للاستقرار, يتّبع قائده بلا نقاش, ويراه إلها لا يخطئ, وبالطبع فهو يرى كل أقرانه من المديوكرز الذين لهم قائد مختلف، أعداء يجب التنكيل بهم، لكن الأهم أنهم بجميع فصائلهم يرون من ليس مديوكر مثلهم على إنه شيطانٌ رجيم, يفكر ويوسوس بأفكاره لأبنائهم, ويجب التخلص منه في أسرع وقت ممكن.
في بلاد المديوكرز يوجد أعراف سائدة وعادات وتقاليد, قد لا يكون لها أساس من الصحة منطقيا, لكنهم مقتنعين بها أشد الاقتناع, فبالتالي هي متواجدة وبقوة. ومن أهم أعراف المديوكرز السرية غير المنطوقة، أنهم يخالفون العادات والتقاليد، لكن في السر، وإذا رأوا من يخالفها في العلن, أقاموا عليه كل الحدود, وأحالوا حياته جحيماً!
في بلاد المديوكرز عبارة ضمنية أخرى مهمة جدا اقتبسها من العظيم أحمد خالد توفيق: \”ليس المهم أن تكون, المهم أن تبدو\”.. ليست القضية في علمك بقدر ما هي في تظاهرك بوجود ذلك العلم, فقط قف هناك وقل كلاما لا يفهمه أحد وسوف ينصبونك إلها جديدا لهم.
في بلاد المديوكرز لن يهتم الناس بما في داخل عقلك بقدر الاهتمام بما في داخل جيبك.. أفكارك تلك التي انت سعيد بها لن تسمن ولن تغني من جوع.
نهايةً إن كنت من قاطنيها فأخرج منها, وحاول ألّا تنتحر أو على الأقل أن تفقد اعصابك عندما تعلم أن أوراقك قد ضاعت، لأن المديوكر في شئون الطلبة في جامعتك قد ذهبت لتشتري الخضار، وتركت الشباك مفتوحا، فطارت الأوراق أو شئ من هذا القبيل.