مصطفى إسماعيل يكتب: التطهير.. وذلك الجنون

 

شاهدت مؤخرا فيلم \”The purge\” أو \”التطهير\”، وهو لمن لا يعرفه منكم، يروي أنه في عام 2022 تحولت الولايات المتحدة الأمريكية مائة وثمانين درجة, انخفضت الجرائم, ولم يعد هناك بطالة أو عنف أو فقر, وذلك بسبب أنهم قاموا بجعل ليلة يخرجون فيها في كل عام لتطهير أنفسهم من الأحقاد والضغائن والكراهية, عن طريق ارتكاب كافة الجرائم الممكنة من قتل وسرقة وتخريب ونهب، ذلك بدون أي عواقب أو مساءلة قانونية.

فكرة الفيلم الرئيسية هي أن يجعلك تقابل أسوأ الوحوش الكامنة في داخل البشر, وأن تعرف أن أسوأهم هو الكامن بداخلك.

أريدك الآن أن تطلق العنان لخيالك, وتتخيل أن ليلة التطهير هذه حدثت في مصرنا الحبيبة.. أريدك أن تحدثني عن الجنون, عن أكوام الغل والحقد والكراهية التي ستنطلق في الشوارع بحثا عن من يختلف معها فكريا أو دينيا أو سياسيا أو حتى كرويا، حتى تقتله, حدثني عن الذي سيقتل أخاه لأنه يمتلك بيتا أكبر منه, حدثني عن من سيقتل شخصا لا يتفق معه في فكرة سياسية، لا يملك أي منهما المقدرة على حلها من الأساس, والأدهى.. حدثني عن تلك البائسة التي يتم التحرش بها يوميا، والتي ستقتل أي رجل تراه أمامها.

بعد أحداث ناهيا في أول أيام العيد, وبعد أن قُتل من قُتل, وبغض النظر عن ظروف قتلهم أو ماذا كانوا يفعلون حتى يقتلوا في أول أيام عيد الفطر, فالذي أدهشني هو الكراهية من الجانبين. مؤيد الشرطة ودّ لو قتل كل من كان هناك, دون أن يعلم حتى ما الذي حدث. ومعارض الشرطة ودّ لو قتل كل يرتدي البدلة الميرى, حتى وإن لم يكن له ناقة ولا جمل في الموضوع.

الوضع سئ, وجنوني, ولا يحتمل.

الأمر الذي يؤرقني حقا, احتمالية وصولنا إلى تلك المرحلة بالفعل! لكنها ليست ليلة, إنها كل ليلة.

تستيقظ من نومك لتجد انفجارا جديدا في منطقة حيوية, بعدها بساعات تسمع عن تصفية لمعارضين بدون أي مقدمات, أو اعتقال آخرين.. ناهيك عن تلك المعارك اليومية البسيطة التي تحدث في شوارع العشوائيات من المحروسة, قد يكون الأمر تافها حقا ولا يستدعي التحدث, لكنه الغل والكراهية والتعصب لمنطقة معينة على حساب منطقة أخرى أيضا في عشوائيات المحروسة.

لكن بالطبع نحن لم نصل إلى تلك المرحلة, نحن بلد الأمن والأمان, نحن البلد التي يضحك لك البسطاء في الشارع ويترجونك حتى ترتشف معهم كوبا من الشاي, بلد الكرم والخير, نحن أبعد ما يكون عن ذلك الجنون الكامن في نفوس البشر, لا يوجد بنا جنون, لا يوجد بنا جنون على الإطلاق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top