مريم شكري تكتب: من تحرش لـ ختان.. يا قلبي لا تحزن

اتذكر ذلك اليوم، اتذكره جيدًا وكأنه البارحة؛ فقد كنت عائدة إلى منزلي مترجلة من إحدى دروسي بالثانوية العامة، أخطو خطوات سريعة بملابس واسعة وأكمام تصل إلى منتصف ذراعي، ومثلي مثل كل طالبات الثانوية العامة؛ الكعكة تعتلي رأسي والهالات السوداء تحتل أسفل عيناي.

لم أتوقف عن السير بخطوات سريعة حين سمعت صوت تلك الدراجة النارية من الخلف، فأنا أسير على جانب الطريق محاذية للسيارات، نظرًا لعدم وجود رصيف قابل للترجل!

فقط؛ قمت بنقل حقيبتي ليدي اليسرى حتى أتجنب السرقة، نعم لم يخطر ببالي سوى السرقة! لم يخطر ببالي سواها حين صرخت قائلة: \”يا حيوااان\”.

لا أعلم ماذا حدث أو كيف حدث؛ فقد تحرش بي، وقد ارتجف قلبي وخرج من مكانه من هول الموقف، وقد ارتعد صوتي وانتفض جسدي، ولولا أني لا أحب المبالغة لقلت إن شعر رأسي قد شاب.

لكن حين نظرت إلى يميني وجدت حارس العقار الذي كان يجلس على كرسي خشبي جالسًا كما هو، وذلك البقال لازال منهمكًا في ترتيب ثلاجته، وذلك الشاب الثلاثيني الواقف على ناصية الطريق، لم ينبس ببنت شفة ولم يكلف خاطره حتى بنظرة عطف تجاهي!

ظننت أنني أحلم، ولكن ضحكة ذلك الوغد الذي كان يقود تلك الدراجة النارية المشئومة وصوت الدراجة وهي تفر قد رنّوا في أذني، فأنا لم أكن أحلم! ولكن ما هذا؟! ما هذا المجتمع؟! ألن يفيق؟ ألن يخجل؟ طننته سيخجل! وتوقعت وجود بصيص من الأمل داخل نفوس من يعيشون في هذا المجتمع.

لكنني أنام يوميًا لأفيق على حالات تحرش أكثر وأكثر، وما زاد الطين بلة، أنه بدلًا من البحث عن حل لها، نقوم بختان الإناث! أتلك مزحة؟ أم هناك بطء في الفهم لدى الكثير من ناس هذا المجتمع؟!

فمن يحتاج للختان أيها المجتمع؟

أعتقد إنها العقول هي ما تحتاج للختان، عقول أولئك الذين يطلقون على أنفسهم رجالا، ولكنهم لا يمتون للرجولة بأي صلة!

فما الذي تعرضتم له من قِبَل الإناث كي تقوموا بختانهن؟ أتعرضتم للتحرش والاغتصاب مثلًا يومًا ما؟

أم أنكم لا تستطيعون السير في الشوارع بسبب تحرشهن اللفظي؟!

لا استطيع التوقف عن التهكم حقًا! فقد وُجِدت فجأة وسط مجتمع، من بين أفراده من هو مقتنع تمامًا بالختان ويطالب به، بدلًا من أن ينشغل بإيجاد حلٍ لما تتعرض له فتيات مصر يوميًا، وكأن الإناث في هذا البلد ينقصهن عذابا وآلاما نفسية وجسدية أكثر مما يتعرضن له -سواء في الشوارع أو في البيوت-.
بدلًا من أن نكتفي بتفوقنا في التحرش والاغتصاب، قررنا التفوق أيضًا في الختان، وأعتقد أنه في حال ظهور ظاهرة أحقر من هذه وتلك على الساحة؛ فلسوف نتفوق فيها أيضًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top