لا أعلم لِمّ أصبح فجأة كل منّا ممثلا بارعا متقمصًا لشخصية \”عواجيز الفرح\”؟ فأصبح لقب \”عواجيز الفرح\” سمة لا علاقة لها بالسن. ولا أعلم حتى متى وصلنا لتلك المرحلة، ولكن كل ما أعرفه أنني استيقظت ذات يوم لأجد كل منّا منشغل بتصرفات الآخر، أصبحنا قضاة ننصب المحاكم ونحاكم الناس من دون وجه حق، فتلك قامت بشراء \”النيش\”، يا لها من متخلفة، تصرف أموالًا بلا فائدة. وتلك لم تقم بشرائه؛ يا لها من جاهلة ليست على علم بالعادات والتقاليد.
وتلك قامت بشراء شبكة من الذهب رغم ارتفاع الأسعار؛ فستظل مبذرة!
وتلك شبكتها من فضة، ولكن ما هذا! فمن المؤكد أن زوجها بخيل؛ مسكينة. إلخ.
بدأنا في توزيع أدوار البطولة على ناس ورفعهم لسابع سماء، ودفن آخرين تحت الأرض.
ننتقدهم وفقًا لأهوائنا الشخصية وأمزجتنا الخاصة، ننتقدهم غير عابئين بأحوالهم ومشاكلهم، ننتقدهم دون أن نعلم لِمّ تصرف ذلك الشخص هكذا أو ما الذي يدور في خلده أو ما هي المصائب والأفكار التي تداهمه يوميًا.
نصبنا المحاكم وجهزنا المشانق من دون سماع المتهم؛ ذلك المتهم الذي لا يعلم حتى سبب وجوده خلف تلك الأسوار العالية، فهو لا يعلم علام تتم محاكمته!
ولكنه على الرغم من جهله بجريمته؛ يعافر حتى يدافع عن نفسه وعن اختياراته، فربما نعطف عليه ونخفف له الحكم!
يعافر حتى يدافع عن نفسه رغم أنه ليس مضطرًا بأي شكل من الأشكال أن يبرر تصرفاته لأي شخص كان، لأنه وببساطة شديدة، حر!
فأنا أشفق بكل معنى الكلمة على أولئك الذين يتركون حياتهم بأعبائها، ويتفرغون للحكم على حياة الآخرين، حياة الآخرين تلك التي لا تمت لهم بصلة!
ومما يثير الشفقة أكثر وأكثر، أولئك الذين ينتقدون الناس من خلف ظهورهم، هم حتى لا يحفظون لهم حقهم في سماع النقد أو الدفاع عن أنفسهم.
حقًا لا أعلم لِمّ تشغلون أنفسكم بالمظاهر وبالحكم عليها؟
أنا أتذكر جيدًا ذلك الدرس الذي تعلمته عن خداع المظاهر، حين رأيت ذلك الفستان اللامع من بُعدٍ في أحد المحلات، فكان يبدو حريرًا فإذا بي أقترب لأجده خشنًا، لا تقوى بشرتي على تحمله!
حينها تعلمت أن؛ \”الأشياء ليست كما تبدو، وكذلك الأشخاص\”. تعلمت ذلك الدرس جيدًا بالرغم من صغر سني، ولكني أجد اليوم العديد من الناس الذين هم في ضعف سني لكن تسيطر المظاهر على عقولهم، فهم منشغلون بها وبالحكم عليها.
لذلك؛ أقول لأولئك الذين تخدعهم المظاهر، لا تشغلوا عقولكم بالمظاهر، فالأهم هو الداخل؛ الأهم هي النفوس.
فبالله عليكم كفوا عن الحكم على الآخرين وفقًا لما هو ظاهر لكم، لا بل كفوا عن الحكم نهائيًا!
وأنتم توقفوا عن الاهتمام بالمظاهر وعن الإصغاء لكلام الناس.
انشغلوا بالبحث عن السعادة وبالراحة النفسية، فالسعادة والراحة النفسية لا تكمن في وجود النيش أو عدمه؛ فربما كل طاقم داخل ذلك النيش له ذكرى مميزة في قلوب أصحابه.. لا أحد يعلم ما يدور في نفوس الآخرين.
السعادة ليست تلك المتواجدة في مظهرنا الخارجي، بل السعادة هي التي تقبع في نفوسنا، لذلك إما ننشغل بالبحث عنها وبنشرها، أو نظل منهمكين في الحكم على بعضنا البعض، مغمضين الأعين، منخدعين بالمظاهر.
ولا عزاء لعواجيز الفرح.