مروة شومان تكتب: الوصاية العاطفية في العلاقات الإنسانية

\"\"

مايو 2009:

كان الصيف على الأبواب اقتربت الإجازة الصيفية واقتربت معها فرحتنا بانتهاء العام الدراسي بكل ما احتواه من تعب وضغط ولكن للأسف فرحتنا بالصيف أبدا لم تكتمل لأن الإجازة كانت تحمل معها آلاما من نوع آخر.. آلام الفراق.
ليس الفراق المؤقت لزملاء الفصل وأصدقاء الدراسة، لكنه الفراق الدائم لبعض المدرسين، ففي مدرستنا يعمل مدرسون مبعوثون من الخارج لقضاء مدة أقصاها ست سنوات دراسية ينتهي بعدها تعاقدهم وتنتهي معه علاقتنا بمن ارتبطنا بهم وأحببناهم. تذوقنا في فترة طفولتنا ومراهقتنا طعم الفراق المر وتعودنا على ألم نهاية العام الدراسي وألم وداع الأحبة.
انقباض قلوبنا الصغيرة وانكسارها وجرحها لم يكن سهلا برغم التعود، فجروح القلب لا تسقط بالتقادم.
اختلفت طقوس الوداع باختلاف شخصية المدرس أو المدرسة وقوة العلاقة مع فصل بعينه وأحيانا مع طالبة بعينها، فكانت تتراوح ما بين حفلة أو دعوة على العشاء أو هدية تذكارية.
لم يخل الفراق من بعض الدموع أحيانا أو الضحكات أحيانا أخرى إلى أن جاء مايو 2009.
كان نقطة التحول في إدراكي وأنا فتاة مراهقة لم أتجاوز الخامسة عشرة بعد. كان العام الأخير لمدرسة اللغة الإنجليزية.. تلك المرأة التي أسرت قلوبنا الصغيرة ليس بعلمها أو ذكائها فحسب بل أيضا بأزيائها وأنوثتها. كانت مثلا أعلى لفتيات مراهقات، وبدا الفراق في الأفق داميا لقلوبنا الصغيرة ولكن يبدو أن لها رأيا آخر.
تبدلت الطيبة الرقيقة إلى امرأة أخرى كدنا لا نتعرف عليها. تحولت إلى شخصية جافة وقاسية. صارمة وغير مبالية. لم أفهم حينها سبب التحول ولكنني أتذكر جيدا إحباطنا وحيرتنا. ضاعف تحولها آلام الفراق وذهبت ليتبقى منها ذكريات خيبة الأمل والحيرة.
وتمر السنون لأكتشف سر التحول المفاجئ. وكانت تلك لحظة تحول أخرى في إدراكي.
تحولت مدرستي الحبيبة إلى شخصية لا نعرفها أملا منها أن يخفف هذا آلام الفراق. استخدمت –شعوريا أو لاشعوريا لا أحد منا يعلم حتى الآن- إحدى وسائل الدفاع النفسية، أرادت تحويل حبنا لها لكراهية وتعلقنا بها إلى نفور.. أرادت أن تجنبنا وتجنب نفسها الألم، فما كان منها إلا أن تركت ألما أكبر في نفوسنا وأرواحنا.
كبرت وأدركت أن مدرستي الحبيبة لم تكن الوحيدة التي تستخدم هذه الوسيلة الدفاعية، بل إني أراها في علاقات إنسانية كثيرة، بل وفي أفلام عربية أيضا: \”أيامنا الحلوة\”، \”موعد غرام\” وغيرها، عندما يقرر طرف ما في علاقة متبادلة أن ينهيها من طرف واحد.
عندما تخبر البطلة حبيبها أنها لم تعد تحبه لكي تنقذه من مصيره المشؤوم معها في مرضها على سبيل المثال، ولكن هل هذا التصرف مقبول في العلاقات الإنسانية؟ هل يعد تصرف ناضج؟
أترك إجابة هذا السؤال للقارئ العزيز.. أما أنا فأرجو ممن تربطني بهم علاقات إنسانية أن يحترموا وجودي معهم فيها ودوري في أخذ القرارات بشأن هذه العلاقة.
دعونا من ممارسة دور الوصاية على من أحبونا بزعم تخفيف آلام الفراق.. دعونا نبادلهم الحب غير المشروط حتى يحين الوقت، فإن كان لابد من الفراق فلنمضي حاملين الكثير من الذكريات السعيدة فإن الذكريات وحدها التي تبقى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top