لقد أرجأت هذا اليوم لمدة أربعة أعوام تعلقت فيهم بكل خيوط الأمل المرئية والخفية، ولكني اليوم فقط أطلقت سراح الوهم المختنق في قبضة يدي! لقد ودعت اليوم رائحة وملمس عشر سنوات من عمري شهدت تحولات جذرية في حياتي وشخصيتي. لقد عرضت ذكرياتي للبيع بثمن زهيد دون أن يعلم الشاري حقيقة بضاعتي الغالية! وضعت إعلانا مبوبا على إحدى صفحات الفيسبوك النشطة، أعلن فيه عن صفحات من كتاب حياتي.
تقول الأسطورة أن هناك خط رفيع في حياة كل امرأة يفصل بين سنوات عمرها قبل الأربعين وبعده، وأن النضج هو شعار المرحلة القادمة! لن يتحقق النضج المنشود إلا بقطع كل الخيوط المتهالكة التي تربط المرأة بأحلام لم تتحقق وإنجازات لم تكن من نصيبها! يرتبط النضج بالتصالح مع الذات والسلام الداخلي وتقبل متغيرات الحياة. لقد كنت على أتم استعداد للانتقال من الثلاثينات إلى الأربعينات بعد أن تخلصت من أشباح المراهقة وصراعات العشرينات وتحديات الثلاثينات ولكني تمسكت بهذا الركن من الذكريات ورفضت حتى التفكير في التخلص منه!
تسألني عن أصعب شيء واجهته كامرأة بدأت فقرة الأربعين من عمرها، أجيبك بأنها لم تكن الخطوط الرفيعة في وجهي ولا علامات الحمل والرضاعة على جسدي ولا الشعيرات البيضاء التي نبتت في فروة رأسي ولا تغيرات في احتياجاتي الجنسية! أصعب شيء هو وداع المرحلة! أتدري أين تخزن المرأة ذكرياتها؟ أتدري أين تخبئ قصص حبها؟ أتدري أين تدفن أعدائها؟ أتدري أين تضع نياشينها؟
لقد استيقظت اليوم وفعلت شيء أحمق! تخطي هذه الحماقة هو جزء من النضج الموعود كما تقول الأسطورة! لقد رآني ابني أقفز فزعا وضحك ثم أكد لي أنني جميلة! احتجت بعض الوقت لاستجمع شجاعتي! ستة وستون! هذا رقم مخيف! لقد حدث كل شيء في غفلة مني! لقد ظننت أن الرقم الذي تهابه كل امرأة لن يتخطى الستين أو الثانية والستين! جاء الرقم الصفعة ليعلن عن تغيرات حادة في قدرة جسدي على التمثيل الغذائي! لقد فقدت قدرتي المكوكية على حرق السعرات الغذائية! سوف أنتفخ وأنتفش وأتكور وأتقعر حتى نهاية الأجل!
لن أنتظر حتى أموت ويتخلص الورثة من ذكريات الثلاثينات من عمري! ولن أعذب نفسي لسنوات بالنظر إلى خزانتي الممتلئة! لقد قررت فتح بابي والتخلص من هذه الأعباء النفسية! سوف أتخلص من تذكاراتي الصيفية الخفيفة ومن ذكرياتي الشتوية القليلة! سوف أبيع جميع فساتيني وبلوزاتي وقمصاني وبدلي وبنطالوناتي وتنانيري وأشياء أخرى لم أستمتع بها ولم تنل شرف الذكريات! هكذا راقصته! هكذا صفعته! هكذا انتظرته! هكذا بكيته! هكذا نسيته! هكذا اخترته! هكذا انتهى وانتهينا!
\”بكام؟\”
\”بـ 100 جنيه!\”