مروة أحمد تكتب: عفوا.. الدول القمعية لا تتقدم (٢).. تأملات في دبي

بعد تصريح الرئيس بأن الهدف من تفريعة قناة السويس كان معنويا أكثر منه ماديا، كتبت مقالا لإيضاح وجهة نظر لم تكن لتتضح فى أوج الإحتفالات، سواء الإحتفالات بقناة السويس أو غيرها، وهى أن هناك مدرستين فى الحياة، إحداهما تؤكد أن الدول القمعية لا يمكن أن تتقدم، والأخرى ترى أنها بتتقدم وزى الفل، واطلعو إنتوا منها، وأن حدة الصراع بين المدرستين هى السبب الرئيسي فى المبالغة بتلك الإحتفالات، وأن مآل معظم تلك المشروعات بالإضافة لتصريح الرئيس، إنتصار لمبدأ أن الدول القمعية لا تتقدم.

لتتوارد بعض ردود الأفعال بأن العيب ليس فى فكرة الدكتاتورية ذاتها، بل فى تطبيقنا لها، مستشهدين بدبي والصين.

ولأن هذا السؤال هو الأهم فى معركة التغيير فى مصر، لذا دعونا نتناقش، ولنبدأ بالنموذج الأول:

هل تبني الدكتاتورية دولة متقدمة؟

مبدأيا.. لابد من الثناء على عزم حكام الإمارات -وخاصة دبي- على التطور، وتجديد الدماء والإعتماد على العلم وأهل الكفاءة، ولكن للأسف كل ما تم بناؤه وتنفيذه، تم عبر إستقدام الخبرات الأجنبية، لتوفير أفضل الظروف المعيشية والإستثمارية الممكنة، ونجحوا بالفعل فى بناء دولة 7 نجوم، ولكن ليس بنا أو لنا.

احتفلت دبي منذ وقت قصير بتصدير آخر برميل نفط هذا صحيح، وهو بعد نظر يحسب لحكامها أيضا، إلا أن اقتصاد دبي -للأسف- لم يقم على التصنيع كالنهضة الصناعية بأوروبا على سبيل المثال لا الحصر، بل على العقارات والسياحة فى معظمه، فهو النسخة الفخيمة من الاقتصاد الريعى المصرى الذى لا يسمن ولا يغنى من جوع، ولكن طبعا مع فارق ضخم فى الكفاءة.

وبالقليل من القراءة، نجد أنه لا توجد دولة متقدمة غير منتجة، فالرفاهية وحدها لا تصنع الدولة، لأن ما أعطاه الخواجة قد يأخذه مستقبلا لأى سبب، وتقدم البشر يقاس بما يضيفونه للإنسانية، لا بما يمتلكون، وندية الدولة في تعاملها مع أى دولة متقدمة، تقاس بإعتماد كل منهما على الآخر بشكل متساوٍ، أى أن غناك وحده لا يجعلك ندا للغرب، بل بإحتياجهم لما تنتجه بقدر إحتياجك لما ينتجونه.

أما عن العنصر البشرى، ف 80% على الأقل من السكان ليسوا من أهل البلد أو حتى مندمجين فيها، كالأجانب بمصر قديما، أو المهاجرين بالولايات المتحدة، فليس \”الوافد\” ك\”المواطن\”، ولا تتساوى الإعارة بالتنوع الثقافي، وقد نلمس ذلك فى مشاهد كثيرة، منها مثلا تنظيم أفخم مهرجان سينمائى بالشرق الأوسط، ولكن دون وجود صناعة سينما من الأساس! إلخ..

وبالتالى فإن أبرز التحديات التى تواجه إستكمال الحلم الإماراتى وتطويره، هى نقل الخبرات من الأجانب لأهل البلد بشتى الطرق، لترتكز الدولة إلى أساس متين بحق، وهو ما يطرح تساؤلات عدة:

إن تم نقل الخبرات فعلا، هل سيتم السماح لتلك الأجيال الجديدة المؤهلة بقيادة الدولة، أم يتم التعامل معهم بإعتبارهم خطر على الحكام الحاليين، وتبدأ عملية إبعادهم كما يحدث مع كل النابهين بالدول الديكتاتورية، ويبقى الوضع على ما هو عليه؟

وإن كانت الإجابة بنعم، حتى ولو جزئيا؟ ألن نصبح أمام ملكية دستورية، أى حكام يملكون ولا يحكمون، وهو شكل من أشكال الديموقراطية؟ أى أنه لا مفر من الديموقراطية فى كل الأحوال؟

على ذكر السلطة.. كما امتدحنا رغبة الحكام الحاليين للإمارات فى التطوير، ما الذى يضمن أن تنتهج الأجيال القادمة النهج نفسه، دون أن يوقعهم الحظ في من يهدم ذلك كله، وقد حدث ذلك فى التاريخ العربي كثيرا؟

الهدف مما سبق، ليس هدم أو انتقاد نموذج عربي ناجح، بل وناجح جدا بلا جدال، فمجددا -الإمارات بشكل عام ودبي بشكل خاص- نموذج ناجح جدا لكيان شاب وطموح، ولكن ليس لدولة متقدمة، بل لملتقى للأثرياء، لن يتحول أبدا لدولة متقدمة بحق، بدون ديموقراطية.

مجددا.. الدول القمعية لا تتقدم.. كل مشروعاتها وعود، وكل إنجازاتها على كف عفريت.

الديموقراطية هى السبيل الوحيد لتحقيق التطور وضمان استمراريته.. تلك هى الحقيقة دون مراوغة.

تخلصوا من أوهام المستبد المستنير، والإصلاح من الداخل.. يرحمنا ويرحمكم الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top