مروة أحمد تكتب: عفوا.. الدول القمعية لا تتقدم (1).. تأملات في التفريعة

بعد إعلان الرئيس منذ عدة أيام عن أن الهدف من تفريعة قناة السويس، كان رفع معنويات الشعب أكثر من تحقيق العائد المادى، عدت بالذاكرة ليوم ذهبت فيه إلى البنك لإنهاء إجراء ما، كان يتوجب علي إنهاؤه بهذا اليوم، وهو ما اضطرنى للبقاء لست ساعات كاملة بسبب التزاحم الشديد على شراء شهادات قناة السويس، وبقدر ما كان الانتظار قاتلا، إلا أنه منحنى الفرصة لرصد حقائق ما كان ليستمع إليها أحد بذلك الوقت، ولكنها فرصة لنراجعها بعد تصريح السيد الرئيس.

مبدأيا.. باع الكثيرون شهاداتهم القديمة، رغم إفادة الموظفين لهم بأن ذلك سيؤدى لخسارتهم لبعض المال، طمعا فى العائد الضخم من الشهادة.

استمعت على مدى الساعات الست لأحاديث الناس، والتى تمحورت حول العائد الضخم من الشهادات، وهو أمر لا يعيبهم ولا يخدش فكرة الوطنية على الإطلاق، فما المانع أن أحب بلدى ويزداد حبي لها إن حققت لى المنفعة.

باستثناء أسرة واحدة خلفى.. أم وابنتها وأحفادها أتوا ومعهم شيبسي وسودانى، واستمعت لذكرياتهم عن التبرع للصناديق المختلفة \”تحيا مصر\” و\”بناء دور العبادة\”.. من الواضح أنهم محترفو تبرع فعلا.

دعا أغلب الحضور للرئيس السيسي، لأنه أول رئيس يأتى بهذا الحرص على صالح الناس، وكانوا يكيلون السباب للإخوان بالطبع، وكانت المفاجأة (خاصة فى هذا الوقت، حين كنت اعتقد أن الناس استجابت لحملات إعلام الترسو)، أنهم كانوا يكيلون السباب واللعن للرئيس المخلوع حسنى مبارك أيضا، واتذكر تعبيرا بليغا لسيدة، حين قالت: \”الواحد فى بيته كل فترة بيجدد حاجة.. ستارة أو كنبة.. إزاى الراجل ده قعد تلاتييييين سنة وسايب البلد على حالها كده؟!\”

كما سخروا من عدد من الحوارات التى أجراها الفلول (الذين صاروا نوابا فيما بعد) عبر التليفزيون، ومن سعيهم المفقوس لإدعاء الفضيلة تحقيقا  لمصالحهم.

انتهى اليوم، وقد كونت قناعة بأننا نعيش جميعا فى فقاعات غير حقيقية، فنظام مبارك عاد بعد الثلاثين من يونيو دون أية دروس مستفادة، بل بمزيد من الأوهام، وشهوة كبيرة للانتقام، وهو ما انعكس على إعلام عالج أى قضية بمبدأ \”كايدة العزال أنا من يومى\”، فصدقوا أنفسهم، والأدهى أننا صدقناهم بدورنا، واعتقدنا أن الناس صدقت تلك الأكاذيب المضحكة عن الثورة، وأنهم حنوا لمبارك بكل ما ارتكبه من جرائم لا تسقط بالتقادم، والناس جارونا فى سذاجتنا وعاشوا الدور.

بينما الحقيقة ،أنهم لفظوا الماضى بكل قوة.. بكل ما فيه، لأنهم ببساطة لم يروا منه أى خير، ولا يشتركون فى أى شئ شهادات -القناة أو غيرها- إلا إن كانت تحقق لهم المصلحة، فهموم الحياة التى اعتصرتهم منذ السبعينيات، لم تترك لهم أى حيل لكيد أحد.. وحدها المصلحة، هي ما تحرك أى شعب فى الدنيا، بما فيه شعبنا.

وكما عدت ليوم البنك، فلنعد سريعا وقت أن كانت الفضائيات تحاكم من لا يحتفلون بمشروع القناة كما يجب، بوصفهم ووصمهم بأنهم أعداء الوطن.

والحقيقة أن تلك الاحتفالات، لم تكن سوى صراع بين مدرستين فى الحياة، ترى إحداهما أن الدول القمعية لا تتقدم أبدا، وترى الأخرى أنها بتتقدم وزى الفل، بس اطلعوا منها.

والآن.. بعد أن حسم تصريح الرئيس الصراع، وبما أن هناك دروسا لا يتعلمها المرء إلا بالطريقة الصعبة، فهذا المقلب فرصة عظيمة ليدرك الناس أن الدول غير الديموقراطية لا تتقدم أبدا، لأن ما تتخذه من خطوات وما تنفذه من مشروعات تتم بقرارات منفردة، يعلم أصحابها أنه من المستحيل مراجعتهم إن فشلت، ولأن أية قرارات تتخذ فيها لا تعتمد على أهل الكفاءة، فالقليل من القراءة فى الاقتصاد لخبراء حقيقيين، كانت ستوفر 64 مليار جنيه -على الأقل- فى دولة تعانى من أزمة اقتصادية حادة، كان من الممكن استغلالهم بشكل أفضل.. 64 مليار جنيه ثمن باهظ لنصب احتفالات لكيد الحساد والمعارضين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top