مروة أحمد تكتب: المواطنون الشرفاء.. والرئيس الأمريكي المخلوع

تابعنا جميعا المشهد المهيب لعمومية نقابة الصحفيين منذ يومين عقب التصرف الأحمق غير المسبوق باقتحام النقابة, إلا أنه كان هناك مشهد آخر، لكنه للأسف مسبوق ومحروق ومهروس 3000 مرة قبل كده، وهو مشهد المظاهرات المؤيدة للدولة، أو ظاهرة المواطنين الشرفاء.

شهدنا هذا المشهد المقزز على مدى خمس سنوات من الثورة, فإذا عدنا بذاكرتنا للوراء، سنتذكر مظاهرات ما سمي \”بالأغلبية الصامتة\” بميدان العباسية، حين تم الإعلان عبر عدة قنوات، فى مقدمتها خالدة الذكر \”الفراعين\”، أنه لا.. لأه بقى, جموع الشعب من المواطنين العاديين الذين لا علاقة لهم بالسياسة سئموا من مئات الآلاف التى تخرج للتحرير تعبيرا عن مطالب لا تعنى شيئا لأغلب المواطنين، فقرروا أن يخرجوا عن صمتهم ويتظاهروا.

والمفارقة تبدأ من تعبير الأغلبية الصامتة ذاته، الذى كان يستعمل قديما تعبيرا عن الأموات, ثم استعمله نيكسون ردا على المظاهرات المناهضة للحرب فى فييتنام، حين قال فى خطاب شهير إنه يستند لدعم الأغلبية الصامتة التى لم تتظاهر, وربما كان هذا التفكير غير الديموقراطى هو ما قاده لأن يصبح أول وآخر رئيس مخلوع بالولايات المتحدة.

وبالطبع لم يحظ أحد بالثقافة الكافية لتدبر مصير نيكسون، ولا حتى مراقبة العالم المتحضر، ليدركوا أن الدول القوية لا تعرف مظاهرات التأييد مهما حدث, لأن الحكمة من التظاهر هى إبداء الاعتراض على أوضاع يرى المحتجون أنها تشكل خطرا على بلدهم، أو حتى عليهم شخصيا, أما المؤيدون، فيكفيهم أن ما يؤيدونه قائم بالفعل.

بدأ الاعتماد على التظاهرات المؤيدة الفرافيرى للفنانين الذين طاروا خلف الرئيس فى المحافل الدولية لمواجهة تظاهرات الإخوان, ولم تكن الجريمة فقط فى جهل المسؤولين بحقيقة أن رؤساء الولايات المتحدة ذاتها واجهوا مظاهرات مناهضة فى بلادهم، أو فى زياراتهم الخارجية، ولم تهتز لهم شعرة أو يخططوا ويدبروا لرد اعتبارهم بمظاهرات أخرى، وبالتالى أساءت مظاهرات الفنانين للدولة أكثر من كل سباب الإخوان، بل كانت الجريمة الأكبر فى تكريس اعتماد الدولة على سياسة \”كايدة العزال أنا من يومي\”، واعتبار المشاركين فى ذلك أبطال قوميين.

استمر الإنحدار شيئا فشيئا، إلى أن وصلنا للمشاهد المخزية المتتابعة، برفع أعلام السعودية فى الخامس والعشرين من أبريل، ومشهد الشرفاء أمام نقابة الصحفيين.

شعرت مع بداية توافدهم على نقابة الصحفيين بالإهانة الشديدة، لأن هناك من يستهين بذكائنا، لدرجة اعتقاده أن هناك من سيصدق أن هؤلاء محتجون فعلا, حتى إن كثيرين من مؤيدي النظام استنكروا المشهد على طريقة  مسرحية وجهة نظر \”إحنا مبنشوفش آه.. بس بنحس لامؤاخذة\”.

وكما أن المشاهد الحقيقية واضحة كالشمس, فالمفتعلة واضحة هى الأخرى، خاصة عندما تأتى بإخراج ردئ (وهو ذات التعبير الذى استعملته سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة على موقعة الجمل).

لماذا يستهين هؤلاء بذكائنا رغم أن ضعف الإقبال فى الإنتخابات الرئاسية والتصويت على الدستور، كان دليلا على أن هذا الشعب لا يشترك إلا فى المعارك التى يراها حقيقة، ولا ينخدع بالبرامج الحوارية الترسو؟!

لماذا لا يدركوا الحقيقة الأزلية، وهى من وحى لينين الرملى هى الأخرى:

محدش يقدر يضحك ع الناس.. لا فى أنتيكا ولا فى أى مكان تانى فى الدنيا.

حتى الأكاذيب الساذجة التى صدقوها حول الثورة، صدقوها بمحض إرادتهم، وعدوها بمزاجهم، عسى أن يتحقق لهم رغد العيش الذى وعدتهم به السلطة، حتى لو على جثث الشباب.. لم يكن اختيارا أخلاقيا أو نبيلا بالقطع، لكنه يظل اختيارا وليس خديعة, ولعل دناءة هذا الاختيار هى السبب فى تدهور الأوضاع المعيشية حاليا.

لا يحتاج الأقوياء لمن يهتفون فى الشوارع بحياتهم عمال على بطال، لأن إنجازاتهم تتحدث نيابة عنهم، وحتى تلك الإنجازات هى واجبهم الذى انتخبوا لتأديته ويتقاضون رواتب من أجله, ولأنهم على قدر من النضج يؤهلهم لإدراك أنهم ليسوا أنبياء ولابد لهم من معارضين.

الأقوياء لا يحتاجون لمواطنين شرفاء، ولا يسمحون لأنفسهم بتقسيم المواطنين لشرفاء وغير شرفاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top