في أول لقاء لها بمالك عدلي بعد صدور أمر الضبط والإحضار بحقه، تحولت مناكافتها معه إلى لقاء هاديء، ربما لأن انشغالها بما تفعله بهية (ابنة مالك) في المحيط، استنفذ طاقتها، وعندما افترقنا كانت تسألني يوميا عن التانية (بهية) بعيون تشتعل فيها الغيرة، عندما وصلنا خبر اعتقال مالك وضحت لها أن مالك الآن في السجن، دهشت وعلى عجل وبصوت مستنكر سألت: ليه؟!
يافا ابنتي وبسنوات عمرها الست، والتي شبهت مرارا ضيقها من ارتداء ثياب لا تعجبها أو أكل طعام لا يروقها بالسجن، تعلم أن السجن هو المكان الذي يعاقب بدخوله الأشخاص مرتكبو الجرائم \”بس مالك مش وحش\”، وبقدر ما حاولت باستخدام مفردات بسيطة لتوضيح السبب، وبأن مالك يدافع عن حق الإنسان في حياة كريمة ضد ظلم وانتهاك الدولة لحقوق الإنسان، وأن ظهوره ومجاهرته دائما بعيوب النظام والحكومة أزعج السلطات، فقاموا باعتقاله، ولمدة يومين تردد السؤال: ليه مالك في السجن؟! عشرات وعشرات المرات طبعا بعد أن اطمأنت بأن أسماء وبهية (التانية) لم يتم اعتقالهما معه.
واستمرت محاولاتي خلال يومين متواصلين في تفسير انتهاكات الشرطة وتعذيبهم للمواطنين داخل وخارج أقسام الشرطة وعدم توقف حالات التعذيب والقتل واستمرار مالك بنشر هذه الانتهاكات وتوضيح فساد النظام المخالف للقانون، وفي كل مرة أتوقع فهمها للقصص التي أسردها، تبادرني بالسؤال: ليه مالك في السجن؟!
إلى أن تقابلنا صدفة بصديقنا مالك الآخر كما تعودت أن تسميه، وكالعادة الكثير من الغضب والمناكفة بينهما، إلا أنها فجأة ولأول مرة لاحظت عين مالك اليمنى المغمضة، وسأت على الفور: هو ليه عينه كده؟ ترددت للحظة، ثم حدثتها عن المظاهرات الغاضبة ضد النظام الفاسد، ولأن مالك الآخر نزل إلى الشارع وصرخ بصوت عال: لا للفساد.. قام أحد أفراد الأمن بإطلاق رصاصة من مسدسه لتصيب عين مالك، وبالتالي فقد عينه. صرخت في ذهول: وماماتش؟ أجبتها: الحمد لله هو أمامك لم يمت، ولكن فقد عينه، ويوجد أشخاص آخرون حدث لهم نفس الحادث، ولذلك مالك أبو بهية لم يسكت عن تلك الجرائم، وواجه النظام بجرائمه، والتي منها أن فقد مالك الآخر عينه.
صمتت تماما ولمدة يوم لم تكرر السؤال المعتاد: هو ليه مالك في السجن؟ لكن سألتني بعدها بهدوء وبصوت خافت في أذني: هو الحكومة ممكن تقول أنا آسفة ويخرجوا مالك؟