محمود مصطفى كمال يكتب: سيادة نقيب الموسيقيين.. هل تعرف من هم عبدة الشيطان؟

 

سيادة نقيب الموسيقيين هاني شاكر، إرجع بالذاكرة لعدد من السنوات، وتخيل أنه أثناء تصوير كليب \”الحلم الجميل\” لسيادتكم، وأثناء صياحك بصوتك الجميل \”كله راااااح كله ضااااااع كله اتكسر كله اتغير\”، فوجئت بأمين شرطة يلقي القبض عليك بدعوى أن ملابسك السوداء في الكليب تدعو لعبادة الشيطان، كيف كنت لتستقبل هذا المنطق؟ هذه هي نفس نظرة موسيقيي الروك والميتال لك ولمنطقك حالياً.

سيادة النقيب، أدعوك -وأرجو أن تتقبل الدعوة بصدر رحب- لقراءة هذا المقال عن موسيقي الميتال، حتى لا تكون سببا في القبض على ممارسي الموسيقي.. تلك الساحرة التي جعلتك نجما ذا جمهور عريض لعقود من الزمان.

لنقل إنك لا تتحدث العربية، ولا تعرف أي شئ عن مصر أو العرب، حينها سيكون من السهل جدا أن أقنعك أن حمادة هلال هو رمز لجماعة تقوم بعبادة سبونج بوب، من عبدة سبونج بوب هؤلاء؟ هم مجموعة من الناس تقوم بعبادة سبونج بوب والعياذ بالله، ما هي طقوسهم؟ّ! يشغلون الموسيقى ويرقصون أثناء ارتدائهم لملابس سبونج بوب، ثم أشّغل لك فيديو كليب أغنية \”أنا سبونج بوب\”، فترى شيئا غريبا عجيبا تفزع منه فورا، وتقسم بالله على صحة كلامي، على طريقة: دول عيال -استغفر الله العظيم- بيتجمعوا في مكان كده استغفر الله العظيم.. ويجيبوا بتاع كده استغفر الله العظيم! حد فهم حاجة؟!

في الواقع لا توجد أي معلومة، خاصة فيما يقال عن كلمة أصبحت مستهلكة بشكل هيستيري (عبدة الشيطان).. نسمعها كثيرا، لكن هل تعرف من هم عبدة الشيطان؟ بيعملوا إيه؟ وما هي علاقتهم بموسيقى الميتال؟ وكيف يمكن من الأساس أن يكون هناك علاقة بين اعتقاد كهذا، وبين الموسيقى؟!

حسنا، لابد أن تعرف معلومات عن شيئين: عن موسيقى الميتال، وعن عبدة الشيطان، لأنهم وللأسف وعكس كل تخيلاتك، لا توجد أي علاقة بينهما.

موسيقى الميتال هي أحد أشكال تطور موسيقى الروك، منذ أن بدأ عازف الجيتار الأسطوري جيمي هيندريكس في منتصف القرن الماضي في نشر حمى موسيقى الروك في العالم، وحتى لحظتنا هذه.

بدأت كلمة ميتال في الظهور في منتصف السبعينيات تقريبا مع فرق موسيقية مثل Black Sabbath و Motorhead و Diamond Head، فعلها كل منهم على طريقته.. منهم من دمج بعض التكوينات الموسيقية من موسيقى الروك مع موسيقى البلوز، منهم من لعب موسيقى الروك ذاتها بشكل أسرع.

وممّ تتكون الفرقة الموسيقية؟ في الغالب من آلات الجيتار الكهربائي والبيز جيتار والدرامز، بالإضافة للمغني، وهي آلات تستخدم في جميع أنواع الموسيقي، فهي الآلات نفسها التي ستجدها في الفرقة الخاصة بنانسي عجرم.

إذا تطرقنا إلى التيمة الرئيسية للكلمات، فستجد أن الأغاني الأولى لفرق مثل Black Sabbath وDiamond Head قد تحدثت عن بعض الأسئلة الفلسفية حول ماهية الحياة والكون، ونقد للأوضاع الاجتماعية والسياسية، فمثلا أحد أشهر أغاني فريق Black Sabbath هي أغنية War Pigs أو \”خنازير الحرب\”، وهي أغنية تتحدث عن جنرالات الحرب الذين يشعلون الحروب من مكاتبهم، ويتركون ملايين البشر للموت، يجلسون هم في أمان بعدما أشعلوا الحرب من أجل صفقاتهم وأطماعهم، فيما يتركون الموت للفقراء في ساحة الحرب، وقد انفصل المغني الخاص بفرقة Black Sabbath عنها، وصار أحد أشهر المغنيين في العالم فيما بعد، وهو اوزي اوزبورن، وصار معروفا بشخصيته المتفردة والمتمردة، وقدم مؤخرا أحد برامج التليفزيون الواقعي الناجحة، والتي حملت اسم The Osbournes أو \”عائلة أوزبورن\”، والتي عرضت حياته هو وزوجته وابنته.

تطور الأمر وأصبحت الموسيقى أكثر سرعة وتمردا، مع ظهور فرق مثل ميتاليكا وميجا ديث في بداية الثمانينيات، ويقول مؤسسو هذه الفرق إنهم قد تأثروا بموسيقي فرق مثل Black Sabbath وMotorhead ممن سبقوهم، وتحول الغناء إلى صراخ، فلك أن تتخيل مساحة الانتقادات الغاضبة التي يمكن أن توجهها لمجمتعك في أغنية خاصة في المجتمع الغربي الذي يواجه كل مشاكله بمنتهى الصراحة، ولا يجد حرجا من مناقشة قضايا مثل المخدرات والاعتقادات الدينية والقرارات السياسية والجنس والتمييز العرقي.. وكل شئ!

لذلك كانت قضايا أغاني الميتال دائما ساخنة وثقيلة، فقد كانت هذه الموسيقى الصاخبة هي العلاج النفسي الذاتي، الذي تخرج فيه كل ما بداخلك فتعيد لنفسك التوازن، وأحد أشهر أغاني الفريق الأشهر في عالم موسيقى الميتال وهو ميتاليكا، هي أغنية One، والتي تتحدث على لسان شخص فقد أحد أطرافه في الحرب، سعى وراء أحلام الدفاع عن حلم زائف في الحرب، ليجد نفسه حبيس جسده، بعدما فقد الرؤية أو يدا أو قدما، فيما تأتي أحد أشهر أغاني فريق ميجاديث وهي Holy Wars والتي تطرقت إلى ميل السياسيين دائما لصبغ أطماعهم بالصبغة الدينية، لتصبح الحرب حربا مقدسة، وضرب مثالا لذلك على الحرب بين الفلسيطينيين والإسرائيليين، والقائمة على أساس ديني من الطرفين، فيقتل كل منهما الآخر، وهم في النهاية بشر من أصل واحد، وبالمناسبة إذا بحثت عن جيمس هيتفيلد مغني وعازف جيتار فريق ميتاليكا، ستجده متدينا ويضع صليبا في المرآة الداخلية لسيارته، مثلما نضع نحن المسلمون سبحة!

لننتقل إذا للجانب الآخر.. دعنا نتحدث عن مصطلح عبدة الشيطان، يؤسفني أن اقول لك إنه لا يوجد شئ كذلك حقا في هذا الكون! إذا ما هي القصة؟!

في عام 1969 كتب أحد الملحدين، واسمه انطون لافي كتابا حمل اسم \”الإنجيل الشيطاني\”، قام فيه بعرض أفكاره حسب خلفيته العقائدية، وأخذ فيه الشيطان كمثال للانشقاق عن القطيع فقط لا غير، وذلك لأنه كملحد لم يكن يؤمن بوجود خالق أو شيطان! وتحدث الكتاب عن كيف تحذو حذوا مختلفا في حياتك بعيدا عن القطيع، ولن تصدق أن سبب تسمية الكتاب بهذا الاسم، كان له بعد تجاري وذلك لمنافسة مبيعات الكتاب المقدس \”الإنجيل\”، أكثر الكتب مبيعا في هذا الوقت!

فكرة \”مطرقعة\” كتلك اجتذبت اهتمام الكثيرين في المجتمع الغربي الذي لا يعرف التابوهات، فقام لافي بتأسيس ما اسماه \”كنيسة الشيطان\”، والتي كانت لمتبعي فكره الملحد غير المؤمن بوجود الشيطان من الأساس، رغم تمحور الاسم حوله.

ما علاقة هذا بموسيقى الميتال؟ لا شئ.. فقط أن تطور الموسيقى جعل هناك أنواعا من موسيقى الميتال، استغلت فيها بعض الفرق فكرة الشيطان تجاريا، تماما كما في موسيقى الهيب هوب مثلا، حينما يلجأ البعض للعري أكثر لشد الانتباه أكثر، فأخذت فرقة مثلا تقول: نحن لا نتبع هذا المجتمع الذي ينبذنا، حتى ولو سنأخذ جانب الشيطان، فتأتي فرقة بعدها تقول: بل إننا سنعبد الشيطان! فتأتي أخرى لتزيد وتقول، بل نحن الشياطين أنفسهم! وذلك في حالات قليلة لا تعبر إلا عن نفسها، ولا تعبر عن الموسيقى ككل.

ما علاقة هذا بالفرق في مصر؟ لا شئ!

فهناك الكثير من فرق الميتال التي ظهرت في مصر مثل Wyvern وinvaders وغيرهما، وفي الواقع أنهم أخذوا من الغرب الجيد وتركوا السئ! فقد أخذوا أغاني مناهضة الحرب والإيجابية، ولم يتطرق أحد للأغاني ذات المعاني المتطرفة!

لكن البعض يرى أن الشعر الطويل والملابس السوداء، هي لابد وأن تكون ملابس شخص يعبد الشيطان.. في الواقع إن الراهب يطيل شعره ويلبس الملابس السوداء! في الواقع إن السيد نقيب الموسيقيين يرتدي الملابس السوداء.. وأنا ارتدي قميصا أسود اللون أثناء كتابة هذا المقال!

وآخرون يقولون: \”بيهزوا دماغهم وهما بيسمعوا الموسيقى.. هذه هي طقوس عبادة الشيطان!\”.. يا سلام! ألا ترى الشباب في الأفراح الشعبية يهزون رأسهم لأغنية \”حجرين ع الشيشة\”، أو \”أنا شارب سيجارة بني\”!؟ هل جرب أحد أن يعرف كلمات أغاني من يقولون عنهم عبدة الشيطان؟!

نعم.. ساقية عبد المنعم الصاوي فعلت ذلك!

ساقية عبد المنعم الصاوي، التي تحرص على أن تقدم فنا جيدا لروادها، ولا تسمح بكلمات الأغاني المتطرفة من أي نوع سواء دينيا أو أخلاقيا، ويشهد مسرح قاعة النهر بساقية عبد المنعم على خروج الكثير من مواهب من عليه، فيما يقف الآخرون خارج الساقية لـ\”الفرجة\” على الناس ويقولون: هؤلاء عبدة الشيطان!

بدون محاولة للتعرف على أي ملامح للأمر من قريب أو من بعيد، حتى ولو كان هناك بعض الشباب الصغير \”المتحمس\” الذي يحب أن يظهر أنه متمرد و\”صايع\” بحكم سنه الصغير، وغالبا ما تكون تصرفاته عن جهل، وتكون التهمة جاهزة.. عبدة شيطان! يمكنك أن تمسك جيتارا كهربائيا وتطلق منه نوتة أو اثنين، واؤكد لك أن الموسيقي التي ستسمعها، لن تحمل أي معانِ دينية.. النوتة الموسيقية لا تحمل سوى الإحساس.. قد تحمل إحساس الحب.. قد تحمل إحساس التمرد والغضب.. قد تحمل إحساس الحزن، لكنها بالتأكيد لن تحمل لك أي إحساس يقودك لتعبد الشيطان!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top