محمود مجدي يكتب: دولة عبلة كامل

تحل هذه الأيام الذكرى الثالثة والأربعون لذكرى أكتوبر المجيدة. الإنجاز الذى نحتفل به كل عام. ونتوارث الاحتفال به جيلا بعد جيل، دون أن نفهم ونعرف كيف حدث، ولماذا حدث! وظروف ما حدث وقتها!

لا يهم.. المهم أننا حطمنا أسطورة خط بارليف، والأهم أننا نضّيع الفرح ونمجد الحزن، فنحن دولة تعلم وتدرك كيف تعيش فى الماضى، ونؤمن تمام الإيمان بأن خير طريق للمستقبل هو الماضى.. إتباع سياسات الماضى، وطرق حكم ومعيشة الماضى، والترحم على الماضى أيضًا.

وبخلاف أن الماضى يحكم ويسيطر دائمًا، كلنا نعلم بالتأكيد الفنانة عبلة كامل.. فنانة قديرة ومبدعة وتعتبر من أفضل فنانات جيلها، ويعرف عنها إتقانها للأدوار الحزينة والسوداوية.

لكن من الواضح أن أداء وأدوار عبلة كامل، تحول من دراما لواقع نعيشه ونكتئب معه وبسببه!

كيف يحدث هذا؟!

على مستوى القيادة السياسية مثلًا.. لا جديد على الإطلاق، نفس الخيال القديم العقيم العاجز عن إبداع أى جديد.. اتباع نفس السياسات الأمنية والإفراط فيها على اعتبار أن مصر (أرض وضع يد)، إذا ارتخت اليد سيغتصبها الآخرون.
والسياسة الاقتصادية.. القروض وصندوق النقد، مع (تاتش) غباء وغشومية تفرد بها نظامنا الحالي عن أى نظام يسبقه وأى نظام يليه.

وليت الماضى يسيطر فقط، بل انتقل تون عبلة كامل للقيادة السياسية، فتجد رئيسنا فى معظم خطبه، يلوم شعبه ويحمله مسؤولية ما يحدث (بقى أنا برضه حجمى كده؟! (أنا ماتحوجش وإنتوا هنا)!

حزن وسواد وشكوى دائمة من حاكم المفترض أنه انتخب لكي يحل مشاكلنا أصلا، لنكتشف أنه (كحلها زيادة)! نفس طريقة عبلة كامل فى \”لن أعيش جلباب أبى\”، عندما تلوم بناتها لأنهن لا يساعدنها فى أعمال المنزل!

وشعبنا لا يختلف كثيرًا عن حكامه.. يعيش فى الماضى أيضًا، سواء فى الأفكار والمعتقدات البالية والمستهلكة، أو حتى فى أسلوب معيشته.. أكثر من وظيفة لتحسين الدخل، والشكوى من ضيق الحال والظروف، والنفسنة على الزميل الفلانى والجار العلانى، وفى نفس الوقت يؤيد حكامه ويدعي لهم بطيلة العمر والصحة، وأننا بدونهم كنا سنصبح سوريا والعراق، ويلتمس لهم الأعذار (هيعملوًا إيه يعنى؟)، على نفس نغمة وإيقاع (إخترناه.. إخترناه).
وتون عبلة كامل يستمر ويتمدد وينتشر هنا أيضًا.. الإفراط فى الكآبة والشكوى، والطاقة السلبية دائمًا وأبدًا، الأمر الذى يدعونا للتشكك في تراثنا وما روي لنا، فنحن كنا نسمع، وقليلنا قرأ بأن شعبنا يضحك فى الأحزان.. أين هذا؟!

دعونا من الفيس بوك والكوميكسات والفيديوهات.. فى الشارع مثلًا، دلونى على خمسة أشخاص بشكل عشوائى، يضحكون أو يبستمون حتى!

فإذا رأيت شخصا يضحك، أعلم أنه مخبول أو فقد عقله مما يحدث فى عالم سمسم الذى نعيش بداخله!

وبالتأكيد كلنا سمعنا ونسمع ونردد أن الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية، ولكن حاليًا… الاختلاف يفسد ذمتك الأخلاقية وسيرتك الشخصية وسيرة من أنجبوك أيضًا! الردح أسلوب حياة، لن نختلف ولن نبعد كثيرًا عن عبلة كامل فى \”خالتى فرنسا\”، لكن على الأقل هذه كانت مهنتها، إنما تحولت المهنة لأسلوب ومنهج فى التفكير والرد والحكم والحجة لدى ملايين من المصريين!

حتى العلاقات العاطفية.. شهرين.. شهرين يا مؤمن وتجد نفسك أنت وصاحبتك وقد تحولتما إلى كوميكس عبلة كامل المكتئب فى \”لن أعيش فى جلباب أبى\”، فضلًا عن نفس الطرق التقليدية فى أى علاقة عاطفية (الولد لازم يتقل.. والبنت لازم تتقل، ولازم يغيظها بصاحباته، ولازم تغيظه بصحابها، ويفضلوًا يتقلوا يتقلوا، لحد ما يفركشوا! شغل محمود ياسين ونجلاء فتحى فى السبعينيات والله)!

لا يوجد أى خيال جديد يجعلها علاقة متفردة مختلفة عن مثيلاتها.. على الأقل عندما يتزوج أى منا يحكى لأولاده عن قصة جديدة، لا عن قصة ورواية تحكى كل زمن مع اختلاف التفاصيل.
لا جديد.. ماضٍ يتمدد مع كآبة تنتشر، وحتى الطريقة الوحيدة فى الإبداع والتغيير (25 يناير) قتلها أصحاب توكيل الماضى الكئيب الذى يحكمنا، ويطبع علينا للأسف.
إذًا.. بعد كل هذا السرد.. ما الحل؟

الحل… تترشح عبلة كامل فى الإنتخابات القادمة، وعندما تفوز، يصبح الحزن والكآبة المادة الأولى فى الدستور.. حل قديم برضه!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top