وسط الظروف الطاحنة التى نحياها ونتجرع مراراتها الآن، ووسط محنة اقتصادية وظروف وقرارات اقتصادية ومطالبات من جهات وأشخاص وإعلاميين بضرورة التحمل وأننا فى حالة حرب (والكلام اللى حضراتكم أكيد بتسمعوه وبتشفوه)، والحقيقة إن الحديث والمطالبات والمناشدات والقرارات موجهة للفقراء، والفقراء فقط، فالحديث عن الفقراء، والفشخ للفقراء، والخوف والرعب من الفقراء أيضًا!
الفقراء هنا دائرتهم تتسع وهتتسع بعد القرارات الأخيرة بالتأكيد، وستشمل الطبقة المتوسطة وما تحتها، وهو ليس وليد عصرنا بالمناسبة، بل يرتبط بكل عصر. منذ الملك فاروق مرورًا بعهد عبد الناصر والسادات، إنتهاء بزمن مبارك. وكان أصحاب هذًا النداء والمنبر أيضًا يهللون للشعب: (بصوًا مالكوش حجة أهو.. الريس إداكوا منحة.. ربنا يخليك لينا يا ريس)!
يتكرر الوضع الآن بنفس النغمة ونفس الأداء، والحقيقة أن جميعنا سيتحمل، ليس لنا رفاهية الاختيار.
ولكن كيف لمذيعين وإعلاميين وشخصيات تتعدى أجورهم شهريًا من 50 ألف إلى مليون جنيها فى الشهر أن تطالب الفقراء وأصحاب الدخول المتوسطة والبسيطة بالتحمل؟!
كيف لسائق أو عامل أو موظف، يصدقك ويقتنع بمنطقك؟! حتى لو منطقك صحيح، ووجهة نظرك وجيهة، لكن أبسط سؤال وأبسط رد على أحاديث ومطالبات حضرتك هو: (ما تتحمل معانا يا أخى)
سيتقشف الشعب ويتحمل الغلابة والبسطاء الوضع، وستمر الأزمة كما مرت غيرها، لكن لماذا -صحيح- لا تتقشف معهم؟ (قلل أجرك يا سيدى.. اكتف بعربية واحدة.. كفاية الفيلً، مش لازم الشاليهات اللى فى كل حتة.. إلخ) ولك الحرية طبعًا فى التصرف فى أملاكك كيفما تشاء، لكن هذا هو عدل التقشف الذى تطالبنًا به.. لكن نقول لمن؟! ونتحدث لمن؟ وبعضهم يحدثنا وينّظر علينا ويهاجمنا وهو داخل مملكته الخاصة الصغيرة المعزولة عن واقعنا المسماة (بالكومباوند)!
كيف لفقير يصدق شخصا يطالبه بالتقشف وهو منعزل عنه وعن واقعه تمامًا؟! يريد مصر الهادئة المستقرة التى تزداد فيها أرباحه وملايينه، ولا يهم الآخرين. فالآخرون يجب أن يتحملوا ويهدأوا ويصبروا، وفي ذات الوقت لا نقترب منهم.. لا نساعدهم لا نعطيهم المثل والقدوة فى معنى التقشف والتضحية لأجل ظروف وطن مأزوم (بالطبع. هناك أغنياء ومشاهير لديهم ثروة ونجومية والأهم ضمير وضمير يقظ جدًا)
لا نكتفى بإنتقادهم والإشمئزاز منهم دائمًا وأبدًا (إخييه.. بيئة /بتوع المهرجانات.. هم اللى بيفسدوا الذوق العام / بتوع محمد رمضان والأسطورة/تلوث / إقفل إزاز العربية بسرعة) بعضهم يريد مصر له فقط.. مصر المعزولة عن مصر الـ 90 مليون.. للأسف هذه حقيقة. فنحن نعيش فى عصر توجد فيها أكثر من مصر داخل مصر.. هذه مصر التى يراها ويتمناها ولا يطالب بأى ضوضاء أو شوشرة لكى لا تتبدد صورة مصر الجميلة فى عينيه.
أما الآخرون، فيجب أن يتحملوا.. هم مولودون أصلًا لكى يتحملوا.. هم أصحاب الشقاء والتعب والمرض والعجز وقلة الحيلة، يجب أن يتحملوا، فهم من يفسدون علينا حياتنا بجهلهم وفتيهم!
يخشونهم ويتوددون إليهم بالكلام المعسول مرة وبالتهديد من مصائر سوداء مرات أخرى.. هم من يجب أن يدفعوا الفاتورة، ويدفعوها كاملة.. هم من يجب أن يعيشوا كما نحب ونقرر نحن، لا كما يختاروا ويقرروا هم.. هم من يجب أن يجوعوا لنشبع ونرتاح ونطمئن وننام نحن.
لهم مصر.. ولنا الله!