محمود عبدالحميد يكتب: خواطر على هامش فوز ليسترسيتي بالدوري

\”هناك احتمال آخر لتتويج مسعانا بغير الهزيمة، ما دمنا قررنا أننا لن نموت قبل أن نحاول أن نحيا\”.
رضوى عاشور – أثقل من رضوى

(رسالة لـ شهيد):

العزيز/أنس

مضى وقت طويل منذ أن كتبت لأحدهم رسالة بكل هذا الشغف، وربما أنت أيضا لم تستلم رسالة منذ زمن بعيد باستثناء رسائل والدتك –بالطبع- التي أثق أنها تكتب لك يوميا حتى لو كانت كتاباتها لم تتحول لحبر وظلت حبيسة عقلها. ربما أنت لا تعرفني، لكن لا بأس بهذا أنا أعرفك جيدا وأعرف أن خيوط الثورة والملحمة الخفية التي تربط بيننا تجعلنا أصدقاء حتى لو لم نعرف بعض قط!

رسالة لشهيد، من كاتب آمن بثورة يناير بكل جوارحه، وأحب أبطالها وإن لم يرهم. إذا من المفترض أن تكون هذه رسالة عن الثورة، عن الملحمة التي أصبحنا أسراها، وعن القصاص لشهدائنا المغدور بهم، والذي يبدو الآن بعيدا أكثر من أي وقت مضى، لكنني لن أكتب عن كل هذا، بل سأحكي لك اليوم قصة، حكاية أخرى، مثل تلك التي كانت تحكيها لك أمك وأنت صغير، قصة تدور في عالمك المفضل الذي طالما عشقته أنت، وفي النهاية مت وأنت تقف على حافته تشاهد مغامرة أخرى فيه.

رجل عجوز وعامل مناجم وعربي غريب في بلاد الضباب الباردة، هكذا بدأت القصة.. الرجل العجوز جرب الفشل بجميع أشكاله، طُرد من النادي تلو الآخر، ونادي هذه المدينة الصغير هو آخر محطة في قطار حياته كمدرب، مهمته في غاية البساطة، أن يظل النادي في الدوري الممتاز، تحمس لهذه المهمة لعله يحقق نجاحا صغيرا أخير، يطمئن نفسه به أنه لم يكن بهذا السوء. أما عامل المناجم، فكان يبحث عن فرصة أخيرة ينهي بها مشواره الكروي الفاشل، وحياته المليئة بالإخفاقات المتتالية، التي كان آخرها تعرضه للسجن إثر مشاجرة، بينما العربي الغريب كان هذا النادي المغمور فرصته ليلعب بأقوى دوري في العالم، لعل عين خبراء نادي أكبر حجما تلقطه، ليكمل فيه مسيرته الإحترافية.

حسنا -حتى الآن- تبدو القصة مألوفة، سيبقى النادي في الدوري الممتاز في آخر مباراة بعد هدف رائع من عامل المناجم، بعد أن قام العربي بإعطائه الكرة، سيبكي رانييري وسيكتب أحدهم في أحد المواقع الرياضية عن هذه القصة الملهمة، وسينسى الجميع هذا الفريق بمجرد أن تمر عدة أيام، أو من الممكن أن يهبط الفريق -ثانية- للدرجة الثانية، ولا يكون هناك قصة من الأساس.

حسنا.. لم يحدث أيا من هذا عزيزي أنس، أكتب إليك هذه الرسالة بعد أن حصل فريق ليسترسيتي على لقب الدوري الإنجليزي، في معجزة ربما لن أراها ثانية في حياتي، العربي التائه في بلاد الضباب أصبح اللاعب الأفضل في الدوري، وعامل المناجم أصبح مهاجم بلاد الإنجليز الأول، والمدرب الفاشل حقق الآن بطولة الدوري الأغلى في العالم!

أريد أن أوصف لك كيف حدثت هذه الملحمة، لكنني عندما أحاول أن أكتب عنها تهرب مني الكلمات، لكنني أقدر أن عاشق مثلك للكرة سيتفهم المعجزة التي حدثت.

شعرت بنشوة لم أحسها منذ زمن بعيد، فالأمر لا يتعلق بمسابقة كروية، لكن ما حدث هو ملحمة، هو تجسيد لقصص طفولتنا الساذجة عندما ينتصرالاجتهاد على القوة، والحلم على المنطق.. ملحمة تحمل في طياتها ملامح ملاحم أخرى، كل من شاهد ليستر سيتذكر على الفور هاري بوتر، سيتذكر مملكة الخواتم، وبالتأكيد سيتذكر ثورتنا.. الأمر ممكن يا عزيزي.. الضعفاء قد ينتصرون أيضا، الحالمون يرثون الأرض أحيانا.

يسب صديق، الثورة  وليستر عندما أخبره أن فوز ليستر هو فوز لنا، يخبرني أن الهزيمة هي قدرنا النهائي، وأنه لا شيء يهم الآن، فالملحمة انتهت ومعها انتهت أرواحنا.. ربما بالفعل الثورة انتهت، العنقاء لن تنهض ثانية من وسط الرماد، لكن من قال إن هذا يعني أن مآل سعينا هو الهزيمة؟! سنظل نحمل في أعماق قلوبنا حبنا للملحمة، سنحاول إحياءها كلما سنحت لنا الفرصة، سنكتب لأولادنا عنها، سنحكي لهم عن ليستر سيتي، عن حرافيش محفوظ الذين انتصروا في النهاية، نهُزم فقط عندما يقرر آخر حالم أن يفقد الأمل، عندما نترك السجون تنهش أرواحنا دون أدنى مقاومة منا، لكن طالما ظللنا نحاول ونحاول، لن نهُزم أبدا، حتى لو قتلوا أحبتنا وسجنوا المتبقي منا. يخبرني صديق آخر أن فوز ليستر الملحمي يفتح الأبواب للفوضى، وهذا أمر مخيف، فالفوضي تحكم الآن، وليس المنطق.

جميع الاحتمالات ممكنة الآن والخطط المحسوب خطواتها بدقة عرضة للإنهيار في لحظات، لكن من قال إننا يجب أن نخاف لأن المنطق عرضة للانهيار!

نحن نراهن في الأساس على هذا.. نراهن على أن حلمنا سينتصر رغم أننا لا نملك دبابات لنفرضه، ولا أموالا لنشتري دبابات نسيطر بها على الجميع. الملحمة تتجسد في هذا الرهان، رهان الشاب الذي وقف أمام المدرعة يوم الخامس والعشرين ضد كل منطق!

كان من المفترض أن تكون هذه الرسالة على قدر ما حدث، أن أصف الملحمة بما يليق بها، لكن الكلمات -كما سبق وأن ذكرت- تهرب مني، لهذا اكتفي بهذا، مؤمنا أنك ستلتقط –دون حاجة مني للوصف– النشوة التي تختبئ وراء تلك الجملة: \”ليستر سيتي فاز بالدوري الإنجليزي\”.

دمت في سلام صديقي الصغير، وإلى لقاء قريب، وحتى هذا الحين.. ابلغ سلامي لهؤلاء الذين آمنوا بحلمنا ودفعوا حياتهم ثمنا له، وأبلغهم أننا لم ولن ننسى، حتى لو بدا أننا انسحقنا تماما، سنعلم أولادنا قصة ليستر، وسنحكي لهم عنكم، وبالتأكيد سننتصر في النهاية.

محمود 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top