محمود دغلس يكتب: الثيمة المسرحية في الانتخابات الأمريكية.. House of Cards نموذجاً

\”المظهر –ما يراه الآخرون ويسمعونه- يُؤسس الواقع\” هانا ارنيت (1906-1975)

\”نحن لسنا أكثر مما تختار أن نريه للآخرين\” فرانك اندروود.

يلاحظ المتتبع للانتخابات التمهيدية للرئاسة الأمريكية والمناظرات المتعاقبة التي ترافقها استخداماً ملحوظاً للقدرات المسرحية المتزايدة في كل مرحلة.

يعلن ميسروا المناظرة عن دخول المرشحين الواحد تلو الآخر إلى المسرح على شاكلة أطراف نزالات الملاكمة، ليخرج كل من المرشحين ما في جعبته من قوة أداء، عله يجتذب انتباه الأصوات الحائرة.

تتكشف هذه القوى المسرحية تدريجيا مع خروج المرشحين من المناظرة، ليؤكد كل منهم أن ما قيل على منصة المناظرة هو مجرد زجل سياسي الهدف منه هو كسب الأصوات، مع التأكيد دوما على الصداقة التي تربط المرشحين.

السيناتور \”ماركو روبيو\” كان آخر ضحايا مسرح السياسة الأمريكية. بعد أن تلقى روبيو هجوما عنيفا من حاكم نيو جيرسي والمرشح السابق \”كريس كريستي\” في المناظرة التي تم بثها في السادس من شباط\\فبراير الماضي، حيث استعمل \”كريستي\” النص الذي حفظه \”ماركو روبيو\” وأخذ يكرره كالرجل الآلي في المناظرة كدليل على أنه مجرد دمية في يد جمهوريي واشنطن.

بعد هذه المناظرة أعلن \”كريس كريستي\” خروجه من السباق –قبل أن يقرر لاحقاً دعم دونالد ترامب- حاول روبيو الاستفاقة بعدها بأيام عن طريق شن هجوم لاذع على ترامب، استعمل فيه إيحاءات جنسية كلفته –ربما- خسارة السباق بعدما فشل في الفوز بالانتخابات التمهيدية في ولايته فلوريدا الثلاثاء الماضي.

في الموسم الرابع من مسلسل (بيت من ورق) –والذي بثته نيتفلكس في بداية الشهر الجاري، يحاول صنًاع المسلسل تسليط الضوء على هذا الجانب من السياسة الأمريكية في تغطية حملة فرانك اندروود الانتخابية من الداخل. بعد أن نجح صناع العمل في الكشف عن هشاشة النظام السياسي الأمريكي، حيث نجح اندروود في الوصول إلى المكتب البيضاوي بدون أن يحتاج لعملية انتخابية واحدة، وصل إلى مسعاه بالخديعة وارتكاب كل الخطايا اللازمة.

يظهر في هذا الموسم بالذات، الاهتمام الشديد بالتقاليد المسرحية، تجارب أداء متعددة لاختيار الحوار الأمثل وطريقة أدائه، وصل الأمر إلى محاولة وضع تخيل للسيناريو الذي ستجري عليه المفاوضات التي ستخوضها \”كلير اندروود\” مع ممثلة الاتحاد الوطني لحقوق حمل السلاح الناري لإقناعها بخطتها المناهضة لحمل السلاح غير القانوني.

التأثر بالمسرح يظهر كذلك في الاهتمام الفائق بالجماليات. بعد التركيز الشديد في نهاية الموسم الثالث على العمل المتفاني للرهبان الشرقيين في صناعة \”ماندالا\” الرمل، والتي يبذل في صناعتها الرهبان من الوقت والجهد ما يبذلون ثم يدمرون صنيعتهم تدليلا على سطحية الحياة وإعلاء من شأن الزهد وانجاز الأعمال بدون انتظار الغنائم.

يستمر هذا الاهتمام بالجماليات العامة في الموسم الرابع، يمنح \”فرانك اندروود\” قدرا من وقته الثمين للجلوس والتحديق في لوحة معلقة على جدار في البيت الأبيض، وهذه المرة يجلس ويتحادث عن اللوحة مع حارسه الشخصي \”إدوارد ميتشم\” بعد أن كان جلس على نفس المقعد يتحدث عن لوحة أخرى مع سلفه في الرئاسة \”غاريت ووكر\” في الموسم الثاني.

هذا التشبث باظهار الجماليات يؤتي أكله، كل مشهد في الموسم هو لوحة بعينها، تقدم تصوراً عن طبيعة المشهد والشخصيات فيه، تحافظ مكونات المشهد على اتزانها الفائق عندما تصور خلوة كل من \”فرانك\” أو \”كلير\”. اتزان يتجلى في مركزية الشخصية، حيث الحفاظ عليها دوما في وسط الإطار بعد أن نجحت السيدة \”اندروود\” في نيل اعتراف زوجها بأن أهميتها ودورها يتعدى مجرد كونها السيدة الأولى، هذا التطور يظهر بجلاء في الحلقة السابعة من الموسم الرابع، إذ تنال \”كلير\” حصتها من تجارب الأداء السياسي، ولكن الأهم، أنها تنال حصتها من مركزية الشخصية، ولا يجد \”فرانك\” بدّاً من مشاركة الإطار مع \”كلير\”، اذ يظهران  مع نهاية الحلقة كلاعبَين ندَّين.

تتجلى أهمية هذا الموسم في بثه بالتزامن مع هذا العرض السياسي الذي يحصل في الولايات المتحدة، بعض المرشحين –مثل ماركو روبيو1- رأوا أن المسلسل يقدم صورة مضلّلة عن السياسة الأمريكية وما يجري خلف الأبواب المغلقة والكاميرات اللّحوحة.

لا يمكن اعتبار المسلسل مرجعاَ للساسة الأمريكيين طبعاَ، لكن لا يمكن إهمال أن ما يحصل أمام الكاميرات، هو عرض.. مجرد عرض كبير، وما كان في السابق مجرد أداء مسرحي لم يعد من الممكن حصره على منصة المناظرة بسبب سرعة انتقال المعلومة والانفتاح الذي جلبته وسائل التواصل الاجتماعي، والتي ركز عليها هذا الموسم في تقديمه لشخصية المرشح الشاب \”ويل كونواي\”.

هذا التداول المعلوماتي بات يجبر المرشحين على الحفاظ على شخصيتهم المسرحية داخل وخارج قاعة المناظرة، ظاهرة عبر عنها \”فرانك اندروود\” في هذا الموسم \”السياسة لم تعد مجرد مسرح، صارت عرضا ( (show business، يقول \”فرانك\”.

هذه الظاهرة هي ما جعل المصوتين في الانتخابات يستمعون إلى \”كريس كريستي\” يهاجم \”دونالد ترامب\” في المناظرات الأولى، ومن ثم يمتدحه في خطاب دعمه له2، تناقض لطالما كان المحرك الأساسي للأحداث في مسلسل (بيت من ورق).

1-    http://edition.cnn.com/2016/03/11/politics/marco-rubio-ted-cruz-house-of-cards/

2-    http://www.nytimes.com/2016/03/08/us/politics/donald-trump-chris-christie.html

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top