سيدي الرئيس:
تحية طيبة وبعد.
أكتب لك هذه الرسالة من أمام نيش والدتي، ذلك المتحف الزجاجي الموجود داخل كل بيت مصري قدس الأقداس -إن صح القول- المنطقة المحرمة دوليًا حيث ممنوع الاقتراب أو التصوير وممنوع اللمس.. هذا الدولاب الزجاجي الذي يعج بكل ما هو غالي ونفيس بالنسبة لها، أما بالنسبة لنا فليس لأي من محتوياته أهمية -هذا الفرق بين جيلنا وجيلها في نظرتنا للأشياء- تضع بالطبع أطباقها الصينية الأثرية، أيضا تضع صور كل من هو عزيز وغالي إلى قلبها، تضع صورة بداخله لي ولأخوتي وأحفادها.
لا أخفيكم سرًا سيادة الرئيس، فقد أحسست بالغبطة والغيرة الشديدتين من شخص سيادتكم عندما قررت أن تُضيف لقائمة مقتنياتها داخل متحفها الزجاجي صورة لشخصكم المُوقر، كانت قد حصلت عليها من إحدى الحملات الانتخابية قبيل نجاحكم الساحق في الانتخابات الأخيرة.
أكرر صورة سيادتكم في نيش أمي لأمرٌ جلل، فقد تربعت في قلبها وأحبتك كحبها لأبنائها، كانت ليلا ونهارا تستمع لقنوات التلفزيون واقتنعت بك تمام الاقتناع بعد أن استمعت لآراء لفيف من المذيعين كأحمد موسى والسيدة لميس الحديدي، أصبح لك نصيب من دعائها في صلواتها، فقد قاسمتنا الدعاء أيضا، فأنت بلا شك \”ربنا بيحبك\”، فأنت لا تعرف مدى مفعول دعاء هذه السيدة كأي أم مصرية دعوتها \”ما بتخيبش\”، فإن كان قد حالفنا التوفيق والسداد في هذه الدنيا فهو بالتأكيد بفضل دعائها فقط -أظنك كذلك أيضًا- كل هذا الدعاء فقط مشروط ببرها وطاعتها والإيفاء بعهودنا لديها، هذه قواعد النيش سيدي الرئيس في بيتنا إذا أردت أن تبقى صورتك بداخله ضامنا دعاءها المستمر لك.
تعلم سيدي الرئيس أن والدتي قد \”رقعت زغروطة\” يوم شاهدت ظهور شخصكم المهيب يوم افتتاح قناة السويس وأنت تظهر بالزي العسكري تلوح للكاميرات، لا أذكر أني سمعت زغروطة لأمي من قبل! \”زغروطة\” شقت حاجز السكون سمعها كل الجيران، وظنوا أن حدثا جللا يحدث في هذا البيت، ربما عرس أو ربما أبنها المحروس قد عاد من الخليج، لم يكن بيتنا فقط يمر بهذه النشوى، أظن أن كل البيوت المصرية كانت ترقص فرحًا كشعار المرحلة وقتها \”مصر بتفرح\”.
كانت تؤمن بأهمية هذا المشروع القومي، فكانت تشاهد البرامج التلفزيونية وهي تطلعنا على تطورات المشروع أولا بأول وكيف سيدر لنا الأرباح وينعش اقتصادنا المُنهك بعد ثورتين، أقتنعت ونزلت واشترت بنفسها شهادات استثمار لإيمانها بأن يكون لها دور إيجابي في هذا المشروع القومي، تثق في كل وعود سيادتكم بأنها ستجني أرباحًا في العام المقبل بعد الافتتاح.
وها قد مر العام. أنتظرت لتلتمس أي مؤشر على تحسن الاقتصاد، فلم تجده.
سيدي الرئيس والدتي كأي أم مصرية لا تفهم لغة الأرقام والموازنة العامة وهذا الكلام الكبير، انتعاش الاقتصاد فقط تستشعره في السوق أو عند الفكهاني أو الجزار، هذا الاقتصاد الذي تفهمه أمي وكل الأمهات المصرية.
سيدي الرئيس، أكتب لك رسالتي بعد أن اشتكت أمي لي مؤخرًا من الارتفاع الشديد لجميع السلع وأن هذا الارتفاع أصبح بمعدل يومي.
طيبت بخاطرها قائلًا: يبدو أن الأمر قد التبس عليكِ بعض الشئ، فقد صرح الرئيس مؤخرًا في حواره مع الإعلامي أسامة كمال أنه لم يكن الغرض من حفر قناة السويس هو الجدوى الاقتصادية، وأنه كان بغرض رفع معنويات الشعب المصري!
بالفعل سيدي الرئيس وقت الافتتاح ارتفعت معنوياتنا جميعا والجميع كان فخور بهذا الإنجاز، ولكن الدولار بعدها بعام ارتفعت معنوياته أيضا وتضاعفت قيمته أمام الجنيه، فارتفع بعدها سعر كل شئ.
لا عليك يا أمي، فقد وعدنا الرئيس بأن الأزمة ستنفرج، فقط علينا بالصبر ستة أشهر، هكذا وعدنا الرئيس في تصريح له في إحدى مؤتمرات الشباب، فهو بالطبع يعي كل كلمة يتفوه بها، فكما أخبرنا من قبل أنه يعاني كثيرًا قبل أن يتكلم، فكلامه يمر بفلاتر قبل أن يخرج لنا، فقط عليكِ بالصبر، فلم يتبق سوى أقل من شهر على وعده وأن كل شئ سيُصبِح على ما يرام.
أحاول أنا وأمي أن نفهم سويا ما سبب تردي الوضع الاقتصادي للبلاد، \”فالعيب فيكم يا في حبايبكم، أما الشعب يا عيني عليه. يا عيني عليه\” هكذا اقتبس من قول أم كلثوم المأثور.
دعنا نفند العبارة سيدي الرئيس.
(فيكم).. فلا غبار على شخصكم ورؤيتكم المستقبلية للأشياء.
(حبايبكم؛ ولِمَ لا؟).. أخشى أن يكونوا بيطبقوا استراتيجية دعاء الوالدين سالفة الذكر، ربما لم يُعلمك أحدهم بأنه لا جدوى اقتصادية بتنفيذ هذه القناة في سنة واحدة فقط وأن الأمر ستتضاعف تكلفته، لم يُعلمك أحدهم بإعادة إحياء خط الحرير مرة أخرى والذي سيربط الصين ببريطانيا بخط السكك الحديدية الجديد الذي سيؤثر تأثيرا مباشرا على قناة السويس أو لم يخبرك أحدهم عن الكساد العالمي والذي بدوره سيؤثر تأثيرًا مباشرا على حركة الملاحة العالمية، ربما تكون الدائرة المقربة لسيادتكم هي السبب. ربما.
أما الشعب؛ فلا حول له ولا قوة ينتظر الانفراجة، يصارع من أجل البقاء على قيد الحياة.
في الختام، أتمنى لكم كل التوفيق والسداد، فأخشى عليك كثيرا من ذلك اليوم الذي أدخل فيه إلى منزلنا وأجد أمي وقد أخرجت صورتكم من النيش، حيث إنقطاع الدعاء.
إمضاء:
ابن الشعب