محمود جمال عبد السميع يكتب: إخفاقات المبدع

ما إن تأتي فكرة للمبدع فبدوره يحولها لكيانها الخاص. وفور أن تأتي وفور أن يبدأ فيها وحتى إتمامها، يظل يفكر في مدى روعتها -في أغلب الأحيان. فيظن أنه أصاب العدو في منتصف الرأس فضربه في مقتل، لكن هناك عوامل تعوق سير تلك العملية وتحول بين الصورة النهائية وحصد النتائج. وها أنا أحاول حصر بعضهم.


مرجع الأداء:


التجربة الأولى تمتاز بالإبهام والإعجاب فتأخذ المبدع على نفس النمط وإذا طوّر من نفسه بشكل يمكن ملاحظته يشعر بالغربة للقديم حتى إن كان أسوء. يستمر التطوير مرة تلو الأخرى والأولى التي اشتقت إليها أصبحت تاريخا غابرا فتشتاق لما يتلوها وقد كان له منك نفورا. وهكذا دواليك. وهذا هو العامل الذي يحملك من الأمس للشهر القادم دون أن تمر إلا لحظة -إن أحسنت استخدامه. لكن تأتي مرة يصير كل شيء فيها باهتا ومملا. فتشتاق لجميع المراحل السابقة دون أن تنتج شيئا جديدا ويتحول العجز إلى كراهية فتصل إلى نقطة يتعادل فيها المقت مع الإعجاب، والحسم مع التردد. فلا تدري هل كنت يوما ما موفق فيما تفعله؟ فتنتقد قدرتك في المطلق وتهزأ بك حتى تقلع عما تجيده.

مبدع بدرجة موظف:

عندما يصبح كل شيء باهتا ومملا، فإنه يكون نتيجة لمقدمة متفق عليها. هي تلك عندما تأخذ موهبتك على محمل الجد وتحولها من هواية إلى عمل. لكي تزيد إنتاجك يجب أن تلتزم أكثر. تلك مرحلة عظيمة من الموهبة وعلى كل شخص أن يتخذها لكن ليس الجميع يجيدها. فسوف تضع موعدا لكي تكتب مثلا. ساعة يوميا بعد منتصف الليل. ستسير كالساعة يوميا حتى يأتيك يوم ويخذلك عقلك قليلا وفي اليوم التالي ستتوجس ريبة من أن تبدأ. بجانب ذلك ستحس بأن هوايتك أصبحت ثقلا عليك وتلك العادة بدلا من أن تكون سلما لأعلى أصبحت ثقلا على نيرك، أو كحجر يدفعه سيزيف لأعلى. لن يجدي نفعا إلا أن تكون -تفعل- ما تحبه. فأنت لست محاسبا ماليا في بنك تذهب يوميا رغما عنك حتى تحصل على مرتبك الثابت في أول الشهر. فما يدفعك أنك بحاجة للمال. أما في العمل الفني ما إن تتحرر من ذلك ستبقي لك رابطا واحدا. أن تعمل ما تحبه وما تكون فيه أنت.

الثقة في إخراج العمل أو حتى إخراج العمل:

يكاد يكون من الواجب على الفنان أن يحّول أنجح أغنية في (الألبوم) إلى (كليب). لكن ما هذه الثقة التي يكتسبها نصف فنان حتى يحّول أغنية فاشلة إلى عمل مرئي؟ أو حتى أن يغني أغنية بمثل هذا التوقع، السذاجة وضحالة المعنى؟ لم يقف مع نفسه في لحظة وجودية منذ أن أستلم الكلمات حتى التلحين والتسجيل ثم التوزيع والإنهاء، هل هي ذات قيمة؟ هل هي جيدة؟ لم يفعل أو ربما تجاوز ذلك الأمر. لكنه بكل ثقة خاض كل تلك المعارك حتى يخرج بعمل -من وجهة نظره- ممتاز! حتى بعد تلقي الآراء المختلفة والتي تحمل في طياتها الاستهزاء لم تتحرك ثقته قيد أنملة بل فكر في أنها تحفة لن تتكرر.
في حين أن معظم المبدعين يثيرون في أنفسهم شكا من عدم القبول. فيخرجون عملا على استحياء لا يؤمنون به حتى وإن كان تحفة لن تتكرر فعلا. فيصبح الفشل فشلا حاملا العمل الذي لم يؤمن بعمله فائق الناجح. فيكون منقسما بين الفاشل والناجح ولأن الثقة غائبة فإنه يقطع الشك باليقين ويطلقها حقيقة لا يشوبها شائبة بأنه فاشل وكذلك عمله. ولا يدرك الفرق بين الإخفاق في عملية مستمرة والفشل ككلمة أخيرة. فطالما تقف حيث تحتك بك الفرص من كل جانب حتى وأنت ساقط فالحكم النهائي لن يقال بعد.

ذاتية السعادة:

يجب أن تسأل إذا كان عملك ذا قيمة وجيد أم لا. لكن لا تعتمد على ذلك كثيرا فستستنتج عملا متقنا يحظى بقبول في أحسن صورة لكن لولا إختلاف الأذواق!
فيجب ألا تنفصل عن العالم الخارجي فيما يخص عملك وألا تنغمس فيه أيضا. هناك منطقة تتأرجح فيها تلك الريبة لكن دون أن تصل إلى الإسراف. فتنهي العمل وتطلقه للجمهور بكل ثقة. ستشعر بسعادة وهذا يكفي. فقط تأكد أنك فعلت كل ما يجب فعله. لأن السعادة ذاتية فلا تربطها بأي شيء وحتى إن كانت رد فعل على منتجك.
وفي النهاية.
الحب والإيمان يعطيان القيمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top