محمود جمال أحمد يكتب: هكذا يخدعنا الله!

تُستفتح كل ركعة في الصلاة بسورة الفاتحة والمصحف يبدأ بها وعند الاتفاق على عقد ما وليتيقن كل طرف من سلامة نية الطرف المقابل يقرأونها. تلك التي تنتهي بآية غاية في الأهمية كأهمية السورة نفسها فتقول: (صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين)

فسر ابن كثير الآية بأن الغضب لليهود لأنهم فقدوا العمل أما الضلال فللنصارى لأنهم فقدوا العلم. وبالرغم من أن الدينين لله فقد أكد الله على حسن اختيار الوسيلة إلى نفس الوجهة، طبقا لهذا الرأي. وفي التفسير العام المفهوم وهو أقرب إلى العقل هو أن المغضوب عليهم والضالين هم من التحقوا بالفساد وتركوا الهدى وما يأمرنا به الله من عمل صالح.
إذن. لماذا أعطانا الله معظم ملذات الجنة في الحياة الدنيا وطلب منا أن نتجنبها وحرمها علينا وفي نفس الوقت نسعى إليها في الحياة الأخرى؟ والذي يفعلها يدخل النار في حين أن أهل الجنة يفعلونها. لماذا يشتتنا؟ هل يختبرنا؟ لماذا خلق البعض وقدر عليهم أن يدخلوا جهنم ويَصلون سعيرها دون اختيار؟ هل الحياة هي كوميديا كتبها كوميديان سادي كما قال وودي آلن؟
تفسيري الجزئي في محاولة متواضعة -وأعذروني على رؤيتي الضبابية فأنا بشر مثلكم- أن الله يعاملنا كما تعامل الأم طفلها. فعندما لا ينهي الطفل طبقه أو لا ينام على غير العادة، تهدده أمه بالغولة والرجل المسكين الذي سُلخت رجله وتهدده بكل ما هو وحشي وقبيح. السؤال هنا، هل والدته ستحضر كل هؤلاء -إن كانوا موجودين- ليتناوبوا الاعتداء على الولد الضعيف لمجرد أنه لم ينه طعامه فتدمر مستقبله لأنها تخاف على صحته؟ الإجابة لا. هي تعلم فقط أن صغيرها لن يدرك ولن يتفهم. لذلك هي تهول لإخافته فتهديه إلى الطريق المراد.
كذلك يعاملنا الله. إن في الله رحمة وسعت كل شيء لكن نحن بغباء وعناد سعينا في الأرض فسادا.
نحن المخيرون. العصاة لم يولدوا هكذا. والمؤمن أيضا. الله يرشدنا لا يجبرنا ويسيرنا بأحكام مسبقة على هيئة قدر مسطور.
القدر. ما هو إلا إرادة الإنسان (حيز صغير) وإرادة الله (حيز أكبر) فنتحرك بحرية في نطاقنا محكومين بما يسر الله أو عسر من زمان ومكان وأحداث ذات تأثير غير مباشر. وهكذا يحدث التداخل ولو حدث تصارع لعلمنا النتيجة قبل النزال. فليس الإنسان بمسير وإن كان كذلك لكان السيناريو المكتوب نابع من الله لا يشوبه ظلم لكننا نرى أطفالا تموت ونتساءل: (كيف يحدث ذلك في وجود الله؟) القاتل لم يكن الله بل الإنسان وغباءه وهم من يحاكمون. للإنسان حرية مهما صغر سلطانها في مواجهة إرادة الله ستظل كافية.
إن الله يعلم الاحتمالات ويعلم ما قد يسبب كل احتمال من نتائج. كما تتفاعل حواسك ببطء فتسمع الكلام بعد فترة من قوله حسب سرعة الصوت وكما ترى بعد فترة حسب سرعة الضوء فالتفاعل مع الأمور محكوم بزمن نسبى في صالح الله. برؤية أفضل وأبعد.
فكل ما علينا عمله هو أن نطيع الله عز وجل لا (رجال) الله. بدون وسيط يشتت التوازن والنسبة. بالفطرة البشرية المعقولة دون تعقيد وزيادة. فهذا يصب في مصلحة البشرية لا مصلحة الفرد من جنة ونار.

وفي النهاية، الإنسان ناتج اختياراته طالما يملك الحرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top