في البداية نرجع إلى فكرة العقد الاجتماعي الذي هو عبارة عن مجموعة من القواعد والمواصفات والاشتراطات، التي تحكم العلاقة بين طرفي العقد (الحاكم والمحكوم) حتى يكون هناك التزام من الطرفين بأداء واجباتهما والانتفاع بحقوقهما، والمقصود بالمحكوم هنا ليس المستعبد من طرف الحاكم، لكنه الطرف الأول في العقد (مثلأ هو صاحب الشركة والحاكم هو الموظف لديه)، فالمحكوم هنا هو المالك الذي اختار الحاكم وفوضه لإدارة بعض من حقوقه وممتلكاته بإرادته الكاملة، ليقوم الحاكم بالإدارة نيابة عنه وتنظيم العلاقات فيما بينه وبين شركائه.. كل هذا في إطار العقد الذي بينهما (العقد الاجتماعي) .
وقد صار من المتعارف عليه بين الناس أن الأنظمة الديمقراطية (أو ما يطلق عليها في وطننا العربي جمهوريات) هي فقط التى تطبق الديمقراطية عن طريق الانتخابات والدستور… إلخ؛ أما الأنظمة الملكية فمعروفة بالديكتاتورية، أي أنها لا تطبق فكرة العقد الاجتماعي، حيث إن المحكوم يكون مجبرا وليس له حق الاختيار.
وبالنظر إلى حالنا، فنحن في مصرنا الحبيبة نطبق الديمقراطية، لكنه مجرد كلام على ورق، فالحاكم في مصر يحكم ويملك ويجبر…. و …. و … إلخ ( الديمقراطية الفشنك)، ومع ذلك لم يحقق الهدف، وهو الإدارة الرشيدة والتنظيم، لكن إذا نظرنا في بعض الدول الملكية (الديكتاتورية) من حولنا، هذه الدول التي نسخر منها ونقول إنهم ديكتاتوريون، وأنهم لا يعترفون بالديمقراطية لمجرد أنهم لا يمارسون المظاهر التي تدل على الديمقراطية من انتخابات وغيرها من المظاهر، فبمجرد النظر لهذه الدول، نجد أن الحاكم يحكم ويملك ويجبر…. و …. و … إلخ – زي اللى عندنا بالظبط – لكن الاختلاف هنا أنه حقق الهدف، وهو الإدارة الرشيدة والتنظيم بين المحكومين، بل إن المحكوم في هذه الدول غير مطلوب منه أي شئ غير أن يوافق على أن يُحكم بهذه الطريقة، لأن في هذه البلاد الواجبات المفروضة على المواطن تكاد تكون صفرا، فمثلا في دول الخليج عامة.. لا ضرائب.. الدخل مرتفع.. الأمن في حالة جيدة.. السكن متوفر.. فرص متكافئة (حتى درجة معينة).. فرص للاستثمار…. إلخ، حتى إن لديهم بعض مظاهر الديمقراطية الغائبة عنا كالشفافية ومحاسبة الفاسد (حتى حد معين).
وهنا يتضح أن العقد الاجتماعي ليس هو الهدف في حد ذاته، لكنه وسيلة لتحقيق الإدارة الرشيدة والتنظيم فيما بين المحكومين (بمعنى آخر الديمقراطية ليست هدفا، لكنها وسيلة).