محمد يحيى يكتب: الجبران.. ثورة على المعبد

\”آه لجيفارا لحية وللعمائم لحى! وحدها لحية جيفارا تفضح لحاهم\”

قد تختلف معه أو تجده صادما، لكنك -أبداً- لن تشك في صدق وإخلاص كلماته، إنه الفيلسوف الوجودي الثائر، الباحث عن يوتوبيا الضمير، مخاطبا إياك بكلمات يصغى لها قلبك إشتياقا لها، إنها لغة الفطرة التي لا حدود لإنسانيتها، تلك التي تجاوزت روح التعصب والقبلية ورفض الآخر لمجرد كونه آخر، لا شك أني قد تأثرات بها، فمن دوجمائية وضيق أفق إلى رحابة الإنسانية والمحبة وتفهّم للمغاير، فالقاعدة الأساسية هي ما دمنا أنا وأنت من لحم ودم، فلا لأحد منّا الحق بأن يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة.
هو عبد الرازق الجبران والذي أرى دعوته ثورة إنسانية متكاملة ضد ما حال بنا من تفسخ نتج عن إستسلامنا للمعبد ونخبته الكهنوتية.
إن الجبران يميز بين الإسلام الفقهي والإسلام الإنسانوي، إسلام المعبد وإسلام النبي، حيث تكون ماهية الدين قائمة من أجل الإنسان، وليس من أجل الله، فالله لا يبحث عن دين تنتشي فيه عباداته، وإنما دين ينتشي فيه عباده، وهي عينها البديهية اللاهوتية الذي كان عليه النبي وكبار تلاميذه حيث؛ أبو ذر وعلي وعمار وسلمان والبسطامي، ذلك قبل ان ينتصر إسلام أبو سفيان ومعاوية والحجاج والمفسرین الذين أعادوا جاهلية ما جاء الإسلام لهدمه!
على ما يبدو أن كيجارد كان محقا وقتها حين قال: \”إذا رأيت كاهنا، فصح حرامي حرامي\”! أليس فاضحا أن أمة الكهنوت تتفق على تشريع العبيد وتختلف على تشريع الثورة، بل إن الإجماع يحرمها وإن كان السلطان جائرا!
نعم سرقوا وجودنا، ولم يسرقوه فحسب، بل حولونا إلى أشباح، أشباه بشر، علمونا حرمة العشق، علمونا أن الآخر مباح في دمه وعرضه وماله وأرضه، حتى جعلونا نظن في محمد أنه بطل قومي من طراز جينكيز خان، أليس هذا ما دوّن في كتب التراث وتأريخ الفتوحات، أليس هذا هو المجد التليد الذي يريد الكهنوت استعادته ويتباكى على أيامه الآن؟!
احتكروا الله وكلمته، وأمسى إلهنا فقههم وطقوسياتهم وما كتبوه بأيديهم. هذا حالنا اليوم. لا شك أن كل إنسان يخلق إلهه الخاص حسب طبيعته وميوله، الرحيم يرى الإله رحيما والغليظ يراه كذلك، على أن للمعبد دور هائل في تشكيل التصور الديني في أذهاننا أو بالأصح تشويهه.
بل الأخطر أن المعبد جعل تعطفنا مع الآخر مشروط بحسب الأحوال، تحولنا إلى مسوخ بشر، بَعُدَ الدين (بفضلهم!) عن ما كان يجب أن يكون مضموننا وجوهر له، حيث السماحة والمحبة والإنسانية المطلقة.

يا عزيزي إن قلبا بلا إنسانیة كافر، لا تشفع له نوع الديانة التي يتعبدها.
يقال إن المسيح والذي بعد ألف عام من صلبه، مر على قرية في العصور الوسطى، فرأى جمعا من الناس، فاقترب منهم، فوجدهم يرجمون زانية، فاعترض طريقهم، فصاحوا عليه: ابتعد أيها الفاجر.. هل تحمى زانية تخالف شريعة عيسى؟ ثم قال له القس: ابتعد عن وجهي قبل أن أصلبك جنبها، حينها رفع عيسى يداه للسماء، آه إلهي، إنك تصلبني كثيرا!

إن الكهنوت والسلطان تحالف يتغذى كل منهما على الآخر، قرأت هذه الحقيقة في كتب الجبران، لكن فهمتها مؤخرا، عندما وقعت ثورة يناير المجيدة، فليس كل ما يقرأ يفهم في وقته.
فمتى ارتبط الدين بالحاكم، حوّرت معالم الدين، وأصبح الخروج عليه خروجا عن التقوى.. تلك ثنائية كانت ولا تزال تشكل وعينا الذي بدوره يبلور سلوكنا، إن هدم الكهنوت هو المناط الأساسي لأي حركة إصلاحية جادة، إنه ميدان الثورة الذي يجب أن نكثف جهودنا نحوه، فلا قيمة لثورة لم تقم على أساس حرية الفكر والعقيدة، وإلا أصبح جهادنا مجرد محاولة استبدال طاغوت بآخر.
هل لنا أن نضم كفاحنا جميعا في إطار إنساني موحد يُعلي من قيمة الإنسان؟ إنها دعوة تسعى إلى إزالة الغبار الذي علق في القلوب، لا عليك الآن إلا أن تنصت إلى صوت ضميرك، والثورة التي في كلمات الجبران.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top