محمد ممدوح يكتب: لعبة العروش.. أُغنية الجليد والنار

\”وكيف لهما أن يجتمعا سوياً دون أن يكون هُناك صِراع دام\” – حقيقة الأمر أنني لم أُكن يوماً ما من هواة مُتابعة المُسلسلات، فقلة صبري وفضولي الدائم لمعرفة الأحداث، لا يسمحان لي بانتظار الحلقات المُتتابعة أو المواسم المُستمرة، ولكن مع المُسلسل الأفضل على الإطلاق، فإن الأمر يختلف.

بدأ الأمر بإعلان تشويقي لأحد الحلقات، فبحثت عن هذا المُسلسل حتى وجدته انقضى منه 4 مواسم، وكان أن بدأت في مُتابعة الحلقات كُلها مع اقتراب بداية الخامس. وقتها بدأت احترف الانتظار لشهر أبريل، وهو الشهر الذي عادة ما يبدأ فيه الموسم الجديد.

يقولون إن الرواية دائماً ما تكون أفضل من الفيلم أو المُسلسل قياساً، ولكن هذه المرة كان التحدي صعبا للغاية، فالإنتاج الضخم والأداء الراقي لفريق العمل جعلني اتمنى أن أخوض التجرُبة وأُقارن بين العمل الأدبي والفيلم، ولكن وقف بين تلك المُحاولات أن الراوية غير مُترجمة بعد، وعلى الرُغم من أن قُدرتي على القراءة بالإنجليزية لا بأس بها، إلا أنني لا أستطيع تذوقها أدبياً على الإطلاق، فعلى الفور تذكرت مُحاولاتي قراءة بعض الأعمال بالأنجليزية، وكيف كان الأمر خاليا من المُتعة وقتها.

تمنيت أن تكون هُناك ترجمة لتلك الرواية، وفي هذه الأثناء كُنت فقط أشتركت في صفحة اسمها المُترجم على موقع التواصل الاجتماعي الأشهر فيسبوك، وجدت أن مُدير الصفحة مُترجما أدبيا من طراز نادر، فهو لا يُترجم فقط الكلمات أو النصوص المُعقدة، بل إنه أيضاً يصوغها بشكل أدبي رائع يسمح لك بأن تعيش مشاعر وأحاسيس الرواية، هكذا بدا الأمر لي سخيفاً، وأنا أُرسل لتلك الصفحة رسالة مفاداها أنني أتمنى أن يقوم بترجمة رواية \”لُعبة العروش\”، لم أتوقع الرد، إلا أنه جاءني بالفعل بعد أيام: \”نُحاول الحصول على حقوق الترجمة لهذا العمل الرائع، ولكن الأمر حقاً صعب\”، ويبدو أن باب السماء كان مفتوحاً لتلك الأُمنية، فمع نهاية عام 2015 كانت إعلانات الترجمة للراوية العظيمة تملأ الصفحات، وهُنا عُدت مرة أُخرى لأُمارس الانتظار، وهو شيء لا أطيقه على الإطلاق.

قبل سفري للخارج بسويعات قليلة نجحت في الحُصول على نُسختي من الرواية الأكثر مبيعاً عالميا, ما يزيد عن الألف صفحة في كتابين مع بعض الهوامش الهامة وشرح واف لشخصيات الراوية الرئيسية، بدأت التهامها بشهية مُستعيناً بها على قتل ساعات الترانزيت الطويلة والمُملة، وبعد أن فرغت من الجُزئين، أغمضت عيناي في استرخاء وأنا أتخيل بهدوء الملاحم والأحداث التي دارت في تلك الرواية، كُنت اراها بعقلي بشكل مُثير رائع.. كانت الشخصيات هي نفس الأبطال المؤدين بالمُسلسل، ولكن تلك المرة كُنت أنا المُخرج.. كانت التفاصيل ثرية كلوحة كبيرة، بينما هشام فهمي يصطحبني كزائر لكُل تلك العصور والقصور والقِلاع والمعارك والجنود والأبطال.. أكاد أجزم انني شعرت بالسيف وصليله وصوت السهام تمرُق من حولي، وأشتم رائحة الدم والقتال وصهيل الخيول تحت الفُرسان، ورائحة البحر وعِطر السماء وعيون الذئاب الرهيبة ترمقني، و برود تايون لانستر يُثيرني ومكر ودهاء سيرسي وحقدها المُقدس يلوث روحي بكراهيتها، وشرف نيد ستارك يجعلني أشُعر بالأسى وخيانة أهل البلاط لكُل العائلات، وتشابك المؤمرات والمصالح والدسائس.. يا إلهي.

حقاً إن مكونات الوجبة لا تختلف ولكنها باللغة العربية ألذ طعماً وأفضل مذاقاً منها بالإنجليزية.. تذكرت كم من الوقت قضيت وأنا احاول قراءة الفصل الأول من الرواية باللُغة الإنجليزية، وكيف كان الأمر شاقاً وغير مُمتع، كأنني أقوم بدراسة كتاب طبي أو هندسي مليء بالمُصطلحات المُبهمة، وكيف كانت رشاقتي في التنقل بين صفحات النُسخة العربية، وهُنالك أدركت أن الرواية تفوق العمل الفني بمراحل، وأن من لم يقرأ الراوية فقد فاته الكثير.

أُحاول جاهداً أن أُعطي المُترجم حقه، ولكني أشعُر بأن هُناك من سيتهمني بالإسراف في المديح، ولكنه حقيقة الأمر يستحق هذا المديح، فالترجمة رائعة بشكل مُثير حتى مع الاعتراف بصعوبة نقل النص من لغة إلى أُخرى دون أن يفقد النص الأصلي من قيمته الكثير، إلا أنه أجاد الحفاظ على تماسك العمل الأدبي، حتى تخيلت أنه هو الكاتب وليس المُترجم. رشاقة الكلمات وبساطة العبارات جعلت من القراءة مُتعة تدخل بشروحات بسيطة في بعض الأحيان، وكنت حقاً أحتاجها، ولكن يبقى الأهم أنه لم يعبث بالنص كما يفعل بعض المُترجمين.

الأمر الوحيد الذي جعلني أشعر بالضغينة تجاهه هو فقط أنه سيتسبب في مُمارستي لأكثر المشاعر كراهية لدي وهي الانتظار، فأنا بحاجة لأن انتظر الأجزاء التالية من الرواية بشوق أكثر من ذلك الذي انتظر به المواسم القادمة من المُسلسل.

شُكراً لدار التنوير ولكُل فريق العمل الذي ساعد بوصول هذا المُنتج لتلك الصورة الرائعة.

الأخطاء المطبعية موجودة ولكنها نادرة قياساً بعدد صفحات الرواية.. الأسلوب سهل ومُمتع بنفس ذات القدر الذي كُنت أتمناه من الترجمة.

انصح الجميع باقتناء نُسخة من ذلك العمل. بالطبع السعر يبدو مُرتفع، ولكنه حقاً مُناسب جداً لشُهرة الراوية وكُلفة حقوق النشر والطباعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top