محمد ممدوح يكتب عن: أمير القلوب

في ١٤ ديسمبر من عام 2013 وعلى ملعب أغادير الكبير في المغرب، أُقيم اللقاء الأخير بين الأهلي المصري وجوانزو الصيني في بطولة كأس العالم للأندية.

وقت المُباراة كان يتآكل بسُرعة، والأهلي فريقي المُفضل عاجز عن تعويض خُسارته، عاجز عن تناقُل الكُرة والإبداع الذي اعتاد عليه أبناء جيلي الذين ضجت الملاعب المصرية بهتافاتهم إبان مُباريات الجيل الذهبي للأهلي الذي صال وجال في كُل المحافل القارية والعالمية والمحلية، وقبل النهاية يتعرض أبو تريكة لإصابة ويستعد الجهاز الفني للتغيير، ينظُر لنا بعيون هادئة ومُبتسمة ولكن خلفها تلتمع الدموع، لوح بيده وأنحنى لنا، كان المشهد دراميا بشكل كبير، كان كرقصة الفراشة الأخيرة وهي تحتض المصباح المتوهج، بدأت دموعي تنساب وأنا على المقهى، لم أتمالك نفسي لاحقًا لأنسحب للخارج مُطلقًا العنان لدموعي، فأجهشت في البُكاء، كُنت أعلم أنه الوداع، وأننا لن نصرُخ بأسمك مرة ثانية، ومع تلك الدقائق أنتهت قصة كُرة القدم المصرية إلى غير رجعة.
لم أكُن أعرفه من قبل، حتى انتقل إلى الأهلي في هدوء، وفي أول مُباراة له أمام الزمالك كُنت جالسا في المُدرجات، كانت تلك هي المرة الوحيدة التي يخسر الأهلي فيها وأنا جالس في المُدرجات، وبعد أن تقدم الزمالك بهدفين، بدأ جمهوره في الهتاف البذيء ضد أبو تريكة، وهو أمر مُعتاد مُمارسته من الجماهير، فإذ به يُرسل تصويبة أخرست كُل الهتافات، مُمزقة للشباك البيضاء مُعلنة عن عنوان البداية للعصر الذهبي للأهلي.

يقولون لولا لينين ما كان ماركس، وأقول لولا أبوتريكة ما كان خوزيه.

ما صنعه هذا اللاعب الخلوق في الملاعب هو أكبر بكثير من أن نكتُب عنه، حقيقة الأمر أنني ترددت كثيرًا قبل البدء في كتابة تلك السطور وذرف تلك الدموع على واحد من أفضل من أنجبت الملاعب المصرية والعربية، عن ماذا أتحدث؟! عن المهارة، عن الأخلاق، عن السعادة التي كان ينثرها كساحر، عن الألقاب التي خلعتها عليه الجماهير والمُعلقين، عن الأساطير التي صنعتها قدمه اليُمنى، أم عن التي صنعتها قدمه اليُسرى عن البطولات التي لا تُنسى؟

كُنا قد تأخرنا في القاهرة بتعادُل مُخيب للآمال أمام الصفاقسي التونسي، كان التعادُل إيجابيا، مما يعني أن التعادُل السلبي هُناك يمنحهم اللقب، ولكن -وفي الثواني الأخيرة- تُعانق قذيفة أبو تريكة شباك الصفاقسي لنقفز جميعًا في الهواء من أثر الصدمة.. من أثر الفرحة.. من هول السعادة الغامرة، أذكُر أنني كُنت مع صديقي على المقهى وكلانا قفز في الهواء واحتضن شخصا غريبا لا يعرفه، ونحن نعتقد أننا نحتضن بعضنا البعض! حقًا كُنت تاجر السعادة المُفرطة يا أبو تريكة.
تمُر الأيام ويقف على المبدأ كرجُل لكُل العصور إبان مذبحة بورسعيد، الوجه القبيح والذكرى المُفجعة ولعنة الدم التي ستُطاردنا مرارًا وتكرارًا، يقف أبو تريكة حيثُ ينتمي.. حيثُ ننتمي مع الجماهير.. مع صوت الحق، مُتحديًا رأس السُلطة -وقتها- مُرسلًا رسالته عالية وصرخته مدوية في فضاء الصمت المُرتعش الخائب من إدارة النادي وتواطؤ الجميع وقتها، ليتحول القديس مرة جديدة إلى أيقونة من أيقونات جماهير الأهلي.
ولأننا في زمن الابتذال وهدم كُل الثوابت وتدمير كُل ما هو جميل وإعلاء كُل ما هو قبيح، كان من الطبيعي بالنسبة لي أن تناله سهام الجُبناء، فكيف يكون هُناك صالح بيننا؟! كيف تكون هُناك صورة جميلة لمصر ترفع أسمها في كُل مكان؟! يجب علينا تدميرها!

فبدأت الاتهامات والمؤامرات، وكفى به مفخرة أن تحدث عنه بالسوء أولئك الصعاليك ممن يُطلقون على أنُفسهم إعلاميين واتهموه بما ليس فيه وما لا دليل عليه وقاموا بالتحفُظ على أمواله ومُضايقته، ولكن هيهات.. تلك أمانيكم التي لن تروها.. لم ينكسر لم ينهزم، بل واجه كُل تلك الصعاب بابتسامته المُعتادة وهدوئه الجميل، لم يروه مهزومًا كما تمنوا، فأثار ذلك نيران الحقد والكراهية.
الآن، وبعد أن مرت الأولى بلا عقاب يُكررون نفس الخطأ بنفس الغباء، يلوثون سُمعة الرجُل الشريف واسمه في مُحاولات حثيثة لإرساء مبدأ \”من ليس معي فهو ضدي\”، دون إدراك ولو بسيط أنهم لن يستطيعوا أن يخصموا من رصيد العشق الذي يمتلكه في قلوب الملايين ولو جُزء بسيط، وأنه سيعود بعد تلك العاصفة أكثر قوة وأكثر ثباتًا من ذي قبل، ويومًا ما سيلقى التكريم الرسمي الذي يستحقه أمير القلوب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top