محمد ممدوح يكتب: تركيا.. والانقلابات العسكرية

ونحن نحبو في هذا العالم الفسيح ونخطو نحو عصر السماوات المفتوحة والعالم قرية صغيرة وكُل تلك المُسميات، ربما تكون الانقلابات العسكرية في تركيا أكثر الأشياء التي رأيناها، وغالبًا لو قُمت بالتحدُث في هذا الموضوع، فلن أُضيف شيئًا على الإطلاق، فهو أمر معروف للجميع، وقد يكون هذا أول إنقلاب عسكري تُركي محدود فاشل نراه أنا وجيلي، فكُل الإنقلابات التي رأيناها من قبل كانت ناجحة للغاية، حتى حدث تغيُر جذري في تُركيا؟ وهو وصول رجب طيب ورفاقه إلى سدة الحُكم بدعم شعبي كبير أدى إلى ترسيخ حُكمهم بدرجة لم تعهدها تُركيا من قبل.
وبعيدًا عن معارك \”تلقيح الكلام وكيد النسا\” المُنتشرة بقسوة الآن على مواقع التواصل الاجتماعي، دعونا ننظر للأمور هُناك بمنظور آخر، فحقيقة الأمر أنا أُحب تُركيا مثلما أُحب كُل البُلدان التي زُرتها من قبل، ولي ذكريات جميلة بها، وأيضًا أنا لا أتفق مع رجب طيب أردوجان أو أردوغان، ولا أعتبره النموذج القياسي للحاكم العادل أو خليفة المُسلمين، أو ما إلى ذلك من المُسميات التي تُدغدغ مشاعر الإسلاميين هُنا، ولكني مُعجب بالفكر البراجماتي الذي ينتهجه هو وحزبه.
قديما قال لي أحد الأشخاص الذين أعتبرهم من المُثقفين حينما كُنا نتحدث عن كتاب \”الأمير\” لميكافيللي: \”من حق الدولة أن تنتهج مبدأ الغاية تُبرر الوسيلة بكُل ما يحتويه هذا المبدأ من قذارة وأساليب ملتوية وصفقات مشبوهة، فالهدف الأسمى هُنا هو تحقيق مصلحة الدولة والشعب، وليس من حق الأفراد أو الأحزاب انتهاج هذا المبدأ، لأنه قد يُسبب الضرر للدولة\”.
حقيقة الأمر قد تندهشوا حينما تعرفوا أن هذا الشخص هو قومجي بالدرجة الأولى ولا يجد غضاضة في أن يقوم أشخاص الآن بتحقيق مصالح شخصية لهم؟ حتى ولو سببوا ضررا هائلا للدولة، ومُبرره في ذلك هو الحفاظ على الدولة! لا أدري عن أي دولة يتحدث؟!
استطاع أردوجان في فترة لا بأس بها، تحقيق طفرة اقتصادية رهيبة في تُركيا، وفي نفس الوقت حقق مكاسب سياسية ودبلوماسية لا بأس بها، بل دعونا نعترف أن تُركيا تحولت إلى لاعب إقليمي له ثقل في المنطقة.. بالطبع دعم حلف الناتو والمصالح المُتقاطعة لعبت دورا هاما، ولكن يُحسب له ولحزبه قُدرته الفائقة على استغلال الفُرصة المواتية بصورة جيدة للغاية، الأهم من ذلك أنه قضى تماما على تدخُل الجيش في الشأن السياسي، الأمر الذي انعكس في صورة طفرة اقتصادية علمية صحية رائعة (كُل هذا كلام مُكرر بشكل مبُالغ فيه)، لكن يجب الانتباه له، لأنه مهم، خصوصا بعد خروجه مُنتصرًا في هذا الحادث الذي لم يتجاوز الـ 24 ساعة بعد.
(الإمبراطورية الرومانية، إذا لم نتوسع نموت)، وفعلًا بعد ما ورثت الإمبراطورية الرومانية، الإمبراطورية الإغريقية كاملة، توسعت بشكل رهيب في كُل أرجاء العالم القديم، والذي وقف في وجهها كان الفُرس، ثم بعد ذلك جاءت الفترة الإسلامية التي قضت مضاجع القُطبين العالمين وقتها، واستمر العرب فترة لا بأس بها، وبعدها سقطوا، وحينما أتى الأتراك التبس الأمر على الكثيرين.
القراءة التاريخية تؤكد حقيقة واحدة فقط، هي أن العثمانيين كانوا إمبراطورية استعمارية بامتياز.
دعونا نكسر تابوه هاما يُداعب خيالاتنا الإسلامية، وهو أن الخلافة العُثمانية الرشيدة كان هدفها نشر الدين والحفاظ عليه، فنشر الدين لا يحتاج ما فعله العثمانيين في أوربا ولا في آسيا، ولا في الأرمن ولا في الشام ولا في مصر؟ ويمكن لأحد الخُبراء الباحثيين في التاريخ أن يُفيدنا بدور الدين في فترة الازدهار العُثماني، وحقيقة الأمر أنا لا أهتم بكُل هذه الروايات التاريخية التي يتصارع عليها البعض، لأنها لن تُفيد في تحسين الواقع المرير الذي أعيشه أنا وأبناء بلدي.
لذا أرجو أن نُجنب العاطفة بعيدًا في الحُكم على الأمور ونتعامل مع الراويات التاريخية على أنها دروس مُستفادة أو أعمال درامية لطيفة، لأن الواقع هو الذي يفرض نفسه الآن، والأمور متوترة إلى حد بعيد في المنطقة التي تُسيطر عليها الدولة التُركية (الوريث الشرعي للعُثمانيين).
أضف إلى معلوماتك أن شبكة المصالح الاقتصادية والسياسية أعمق من فهمي المتواضع وفهمك، وأن ما يحدُث في دولة بحجم تُركيا ليس مُنفصلت بأي شكل من الأشكال عن باقي العالم، ومصلحة باقي اللاعبين هو استمرار الاستقرار في المنطقة.
روسيا.. أمريكا.. السعودية.. إيران، والاتحاد الأوربي، وأضف داعش إلى المُعادلة، ستجد أنه ليس من المنطقي أو من المُفيد لكُل الأطراف أن يقع النظام التُركي بتلك الصورة، خاصة بعد المراوغة الدبلوماسية الأخيرة التي فعلها النظام التُركي.
يبقى السؤال الأهم، وهو: ما هي الفائدة المرجوة لمصر من استمرار النظام التُركي أو سقوط النظام التُركي؟ هل تحدث أحد الخُبراء الحقيقين لا الإستراتيجيي عن هذا الأمر؟ هل هُناك أي فائدة مرجوة من أي الاحتمالات المطروحة للدولة المصرية؟ ما هو سر هيستريا الجدال وحملات النقاش و\”كيد النسا\” المُنتشر في تلك الأثناء!
في رأيي المتواضع، أنه لا فائدة لنا في كُل الاحتمالات، لأننا في الأصل خارج اللُعبة الدولية، ويجب علينا الإلتفات للأمور الداخلية الأهم، قبل أن نتحدث عن أسطنبول وأنقرة وما يجري بهما.
الإعلام المصري أثبت عن جدارة أنه لا مُستقبل إلا للمواقع الإخبارية المُحترمة، وأن الصُحف كُلها سقطت في اختبار المهنية بإمتياز مع مرتبة القرف؟ وأن القنوات التليفزيونية لازالت تُخاطب المواطن الشريف، الذي بدأ يختفي من الساحة تحت ضغط ارتفاع الوعي السياسي وانتشار القراءة والتثقيف عن طريق الإنترنت؟ وقريبًا سيتحول أولئك الإعلاميون إلى نماذج موجودة في المتحف الإعلامي، تؤرخ لفترة هي الأسوأ في تاريخ الصحافة المصرية، فالصحافة هي أمر مُختلف تمامًا عن قعدة المصاطب التي يحلو لتلك الكائنات الإعلامية مُمارستها أمام الكاميرات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top