محمد ممدوح يكتب: التعليم والتعليم المُضاد

​الثانوية العامة هي ذلك الكابوس الذي كُنا نعيشه صغارًا حتى أصبحنا كبارًا وأدركنا كم كان الأمر عبثيًا إلى أقصى الحدود، وأن الفكرة في الثانوية العامة هي لهو وتفاخُر بالأرقام والدرجات، وأن تعليمنا كان تعليما مُضادا لأقصى الحدود، فمع تلك المناهج العقيمة الجامدة، من استطاع الحفظ فقد عبر حاجز الـ 95%، أما أولئك ممن لم يستطيعوا الحفظ، فقد بقوا فريسة كُليات لا تنتمي لأهل القمة!

لا يعنيني هنا إن كانت الثانوية العامة نظاما جيدا أم سيئا، لكن كُل ما في الأمر أنه كان إلى حد ما نظاما عادلا يعتمد على مبدأ الفُرص المُتكافئة، فعادة ما كُنت أصطدم بمشاهد أو أسماء من العشرة الأوائل، فأراهم أشخاصا منا، كما نحُن منهم.. الفُقراء البُسطاء أو أبناء الطبقة المتوسطة التي تُدرك أن التفوق العلمي هو أملها في حياة أفضل.

كان الامتحان واحدا للجميع، والملعب مفتوح لمن يتسطيع تسجيل أكبر قدر مُمكن من الدرجات، وعلى استحياء بدأت ظاهرة التسريب والغش في الظهور في صورة لجان خاصة لأبناء أشخاص مُهمين في الدولة.. الأمر كان أستثنائيا -في رأيي- ويتعلق في الغالب بزوجة ظابط مهم أو في مركز سيادي، كانت تبحث عن وسيلة لإثارة غيرة وحسد قريناتها والتفاخُر -ولو بالزيف- بعبقرية مودي أو توتي وبأن يكون من العشرة الأوائل، ويُقال إن هذا ما حدث حقًا!

أغلب أبناء الطبقة الحاكمة يُدركون أن كُليات الشُرطة والحقوق والحربية لا تحتاج إلى مجموع العالي من الأساس، لذا لم يكُن لهم تدخُل في هذا المضمار وتركوه لعاشقيه.

ثُم حدث ما يُعرف بظاهرة الـ شاومينج، وهو أحدث صيحات التوظيف للقُدرات الإلكترونية، التي يبدو أنها لم تصل بعد لوزارة التربية والتعليم.

دعونا نتفق أيضًا أن هُناك العديد من علامات الإستفهام حول حدوث مثل هذا التسريب، وعن كيفية وصول تلك الأسئلة ونماذج الأجوبة، والتي يُفترض أنها أمن قومي وقُدس من أقداس الدولة وعلامة من علامات قُدرة الدولة على إخفاء أسرارها، وقد حكى لنا أحد الصحفيين المُميزين عن المطبعة السرية وعن مدى أهمية دورها في الحفاظ على الأمن القومي، وكيف أن كُل شيء كان دائمًا وأبدًا تحت السيطرة، حتى حدث تغُير ما –يبدو لنا غير مفهوم- فكيف يستطيع هذا الـ شاومينج أن يحصل على هذه الوثائق السرية، وبعد ذلك يقوم بنشرها؟!

المُثير للدهشة هنا، هو عجز وزارة الداخلية عن تحديد موقعه والكشف عنه!

وزارة الداخلية التي تمتلك أقوى طُرق المُراقبة، وتستطيع أن تقوم بتصوير وتسجيل مقاطع مرئية لشخص ما في غُرفة نومه، لم تستطع الحصول على موقع هذا الـ شاومينج!

هُنا كان من الضروري أن نبحث عن سيناريوهات مُختلفة، لأن هُناك رائحة نفاذة تنتشر في الأروقة.. بدأت إرهاصات تلك المُشكلة حينما تحدثت إحداهُن -وهي في موقع مسئول- عن أن التعليم يستنزف موارد الدولة ويُشكل عبئا كبيرا على الحكومة!

وإذا قُمنا بتوصيل الخيوط سويًا، فسنجد أن هذا الأمر يتفق مع السياسات الاقتصادية الجديدة التي تتبعها الدولة، والتي أدركت من مُتابعتي لمقالات المُتخصصين في الاقتصاد أن سياسة الدولة الاقتصادية ظاهرها النيوليبرالية، وباطنها المهلبية، و\”كُله لازم يغرف يا معلم\”!

ويبدو أن تطبيق النيوليبرالية في مصر تخطى مرحلة التساهُل مع السبوبة، ووصل إلى مرحلة صُنع السبوبة وتوفير السبوبات المُناسبة لمن يدفع أكثر!

كان أحد الخبراء الاقتصاديين قد حذر من أن الصحة والتعليم هُما الهدف القادم للتخصيص، وأنه سيتم بيع القطاع العام على فترات، وتحدث كثيرًا عن الآثار السلبية لهذا الموضوع، وكيف أنه سيكون كارثيا، ولكن من يقرأ؟! وإذا قرأنا، فما هو الذي نستطيع أن نفعله حقًا؟!

من السيناريوهات المطروحة أيضًا، موضوع إلغاء التنسيق وجعل الالتحاق بالجامعات باختبار قُدرات في الكُلية، مع مُعدل درجات \”هُنا لن يحتاج أحد لتدمير التعليم كي يُصبح ابنه مُهندسًا، فقط سندفع للجامعة المطلوب كي يلتحق الباشا بكُلية الهندسة\”!

حقيقة الأمر.. هُناك من تحدث عن أن هذا النظام مُتعارف عليه في الخارج، وقد نتفق، ولكن إجراء التجرُبة يعتمد على أن تقوم بتوفير كُل الظروف، ومن ثم نحتفل بالنتائج، ولكن أن نقتبس من الغرب أو من الخارج هذه الجُزئية فقط، ونقول إن الغرب يفعل كذا وكذا، فهذا خطأ كبير.. عليك فقط أن تقوم بتوفير التعليم الإبتدائي والإعداد والثانوي بصورة مُماثلة لما يحدُث في الغرب، وبعد ذلك قُم بتطبيق النظام الجامعي الذي يتم الاختيار فيه بواسطة اختبارات قُدرات أو خلافه.
أحد السيناريوهات المطروحة، كانت أن هُناك صراع داخلي في الوزارة أو الحكومة أو الدولة العميقة أو في اتحاد الكُرة، هو الذي تسبب في قيام هذا الـ شاومينج بُممارسة ألاعيبه، الأمر الذى حدا بأحد المُعلقين على الفيسبوك أن يُقسم بأغلظ الإيمان أن هذا شاومينج يتم تغذيته بواسطة جهاز المُخابرات العامة، لأن هذا الجهاز السيادي هو الوحيد القادر على تسجيل وتصوير والوصول إلى كُل تلك الوثائق السرية!

حسنًا.. دعونا نتفق أن الأمر لا يعنينا، ولكن ماذا عن الطُلاب المساكين الذين يتم التلاعُب بهم، سواء عن طريق إضاعة مجهودهم أو عن طريق إعادة الامتحانات، وهو أمر كارثي بالنسبة للطُلاب لو تعلمون.

فقط يتبقى لنا سؤال طرحه أحد العباقرة على موقع الفيسبوك قائلًا: \”سيدي الوزير، ماذا عن شراء طابعة لكُل لجنة امتحانات، وتوفير خط إنترنت، ويتم إرسال الامتحان على البريد الإلكتروني، قبل بدء الامتحان بدقائق، وأن يكون الامتحان فقط مع معاليك؟!\”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top