محمد مغاوري يكتب: حقيقة الأشياء

ليست كل الأشياء العظيمة صعبة.
كنت طفلا ساذجا يرى أن قيمة الأشياء تقاس بصعوبة الوصول لها، لهذا كنت أرى أن صعود جبل إيفرست أفضل من إنقاذ طفل على وشك الموت، أن لعب الكرة أفضل من قراءة كتاب، أن العامل أفضل من العالم.
لكنني كبرت الآن، أصبحت أدرك أن الأشياء ليست كما تبدو، وأن الأرض لا تنتهي عند نهاية ما أراه بعيني، أعرف الآن أن الزجاج لا يجرح إلا اليد التي تقوم بكسره، وأن حبيبتي التي تركتني وطارت، كانت تحبني مثلما أحبها لكنها كانت تريد أن تحضر لي هدية من السماء، أصبحت أعرف تمام العلم أني لن أمسك النجوم بيدي إلا إذا حركت جناحيّ جيدا حتى أصل، وأني لن أموت إلا إذا توقفت عن فعل ما يدعو للحياة.
كبرت وتوقفت تماما عن تقييم الأشياء، توقفت عن المقارنة، أتعامل مع الأشياء بزهد عجوز ملّ من الحياة. عجوز في العشرين من عمره، تعلمت أيضا أن الحياة لا تقاس بعدد السنوات، يمكنني الآن أن أقول: عمري ديوانا شعر وصديق واحد.
لا شئ أفضل من شئ، كلّ ما في الأمر أنني أريد هذا ولا أريد هذا، ليست أفضلية بقدر ما هي اختيار.
يقيني متغيّر، مجهودي أيضا، شكلي، طولي، وزني، فلماذا أحكم على الأشياء؟
كبرت الآن وأصبحت أفضّل أن يكون العالم والعامل شخصا واحدا بالوقت، وأصبحت أتبادل بين القراءة ولعب الكرة، أصبحت أفكّر أنهم قد يقوموا بإنقاذ طفل على وشك الموت بجهاز يستخدم من بعد، في الوقت الذي يصعدون فيه جبل إيفرست على مصعد إلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top