محمد محمود يكتب: رسالة إلى البراء أشرف: هل تركتنا؟

 

يقولون إنك تركتنا ها هنا، بأرواح مثقلة، وقلوب خائفه، وصعدت إلى السماء وحيدا، دون سابق إنذار، لم أستوعب موتك بعد، أحاول الإستيعاب، ولكنني دائما أفشل، أرى الكبير والصغير حزينا عليك، الكل يرثيك بالكلمات القاسية، ولكن أنت تعلم أنه ليس في القلب متسع للفقد، فنحن أكثر من جرب فقد الأحبة، وكلمنا فقدنا أكثر، كلما اكتشفنا قدرتنا الأكبر على الفشل في تجاوز الفقد، لسنا متبلدين، ولا نعرف أن نكون كذلك، فأنت من علمتنا يا براء، نعم أنت، كلماتك المنمقة، وبحثك الأبدي عن الأمل هو من علمنا كيف نحافظ على إنسايتنا، رغما عن كره الحياة لنا.

تلفظنا الحياة يا صديقي، ليس لنا مكان هنا، لا نزداد إلا بؤسا على بؤسنا، نصارع الأمل، فنجده متكئا على عصاة بين أسطر مقالاتك، نحن مرضى بالأمل، نحمله كصليب العصاة، نطوف به أرجاء الأرض التي ضاقت علينا بما رحبت، حتى تحولت الشوارع والميادين، إلى مشارح وأقسام وسجون ومحاكم، نجري إلى حيث لا نعرف، نسير على نفس دربك، نحيا من أجل الحياة، أتذكر دائما أن الحياة قصيرة، فاستمر في الكتابة، اكتب ما استطعت لذلك سبيلا، فربما تكون رسالتي هذه إليك هي آخر ما اكتب، ربما لا استطيع إستكمالها!

برغم الدموع، التي تأبى التوقف على رحيلك المُفجع، لا أزال أظبط نفسي شاعرا بالغبطة تجاهك، الحياة في السماء صارت أفضل جدا.. جموع العظماء تشد بعضها بعضا إلى هناك، لا أعلم إن كنت التقيت بهم بعد أم لا، ولكني أود أن توصل هذه الرسائل إليهم، فكما كنت رسولا للأمل بيننا، ستكون رسولا يخبر عن حياتنا بينهم، أبدأ بمن قبل من؟! المهمة صعبة يا صديقي، والرسائل تتزاحم، سأكتب وفقا لكثرة الإلحاح، وأترك لك الترتيب فيما بعد.

حتما، كلك شوق ولهفة إلى لقاء \”نجيب محفوظ\”، لن تضطر للاقتراب من أذني الأستاذ لكي يسمعك جيدا، فلا مجال للأمراض ها هناك، أخبره بأننا نتمنى أن يكون موجودا بينا فنفوز فوزا كبيرا، أخبره بأن هناك جيلا يعشق كتاباته، يتداول كتبه، ومقتطفات منها على صفحات المواقع، أخبره بأن هذا الجيل لم تخدعه في المحاكم عبارة \”العدل أساس الملك\”، وعرف أن هناك كثيرا من اللصوص يضعون في مكاتبهم \”هذا من فضل ربي\”، أخبره بأن أحد أبناء هذا الجيل اسمه \”ياسين صبري\” سجن لأنه كان يحمل روايه من رواياته، رفقة لصقة كتب عليها \”ثوار\”، وأخبره بألا يستغرب من كلمة \”ثوار\”، فقد قامت ثورة بالفعل، ضحى فيها الكثير بدمائهم وكدهم وجهدهم، إلو أن هزمهم اللصوص.

بابتسامتها المعهودة، وخفة ظلها، بشعرها الأبيض القصير ستراها تتجول في الأرجاء، تراقب، وتحنو، وتعتب، أظنك علمت عن من أتحدث، عن كاتبتنا \”رضوي عاشور\”، أخبرها بأنها أم لنا جميعا، وأن كتابتها عن التاريخ جعلت منها ذاتها حدثا تاريخيا لا يُنسي، وبأن \”مريد\” شطر روحها، ورفيق حبها الأسطوري، كتب عنها كلمة رثاء، أرهبت السامعين من فرط جمالها، أخبرها بأننا نحفظ وصيتها الأثيرة، وقررنا ألا نموت قبل أن نحيا، لأن هناك احتمال آخر لتتويج مسعانا بغير الهزيمة.

حتمًا ستقابل \”يوسف شاهين\”، بسيجارته المعهودة، وشعره الأبيض المتطاير، ونظارته الطبية المنمقة ذات الإطار الذهبي، المسئولية ثقيلة ها هنا يا صديقي، ولكنك أثقل منها قدرا، وحتما قلب \”جو\” صار أكثر رحابه في السماء، بدايةً، أخبره بأن صخبه لم يتوقف إلى يومنا هذا، فما زالت مشاهده مثارا للجدل، أخبره بصدق نبوئته في فيلمه الأخير \”هي فوضى\”، فلقد تحقق الفيلم على أرض الواقع، واقتحم المظلومون الأقسام ليطهروها مما فيها من فوضى، حتما سيندهش الأستاذ كثيرا، ولذلك أصبر قليلا قبل أن تخبره بأن تلك الثورة التي قامت، وتلك النبوءة التي تحققت، كانتا في يوم مولده.. الخامس والعشرين من يناير.

ستفرح كثيرا عند لقائك بـ \”أبو علائنا\”.. الأستاذ أحمد سيف الإسلام كما اسميته في مقالك، فلن تجد فرصة أكثر عظمة من هذه لتخبره عن كتابتك عنه، أخبره بأن ذكراه كانت ملاذا لهؤلاء المصابين بمرض الأمل، اجتمعوا هناك ليحيوا ذكراه العطرة، بقبس من الحب، وفيض من المحبة، أخبره بأن التركة التي تركها لنا ثقيلة، وأن البحث عن الحق صار أصعب من البحث عن إبره في كومة من القش، ولكننا مستمرون في بحثنا، فقد علمنا الأستاذ ألا نيأس، حتى لو لم ننجح في إيقاف الظلم، فإننا لن نتوقف عن فضحه.

لا تستغرب من أني أناديك بـ \”صديقي\”، فهذه الرسالة الأخيره التي أريدك أن تخبر بها جموع العظماء الغفيرة المجتمعة إلى جوارك، أخبرهم بإني صادقتك من كتاباتك وأفلامك، وأني سأظل ما حييت فخورا بأني كتبت إلو جوارك في أحد المواقع، لن أبعث بمزيد من الرسائل، لأترك لك الحيز في إختيار من تحادثهم عن جيلنا وواقعنا، فليس خير منك متحدث، وليس فراق أصعب من فراقك، الكل ها هنا، نسوة ورجال، ينتحب كالأمهات الثكالى.

منمقا جميلا في كلماتك، بدينا في جسدك، خفيفا في روحك، سريعا في رحيلك، عظيما في أثرك، إلى جنة الخلد يا براء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top