محمد محمود يكتب: خطورة أن يكون الحجاب فرضا!

(1)

ظننتها للوهلة الأولى إعلانات لعمليات تجميل، لكنها لم تكن كذلك، بل كانت \”بوستات\” مكونة من صورة لفتيات \”قبل وبعد\”، أحدها لفتاة محجبة استبدلت ملابسها الضيقة بأخرى فضفاضة، والأخرى لفتاة استبدلت الحجاب بالنقاب، لا أعلم إن كانت الفتاتان تربطهما علاقة شخصية، لكن بالطبع تربطهما \”علاقة ذهنية\”، أفكار مشتركة أوحت لهما أن تغيير الملابس سيعصمهما من أعين وألسن وأيادي المتحرشين.

ظلّلت فتاة الملابس الواسعة صورتها القديمة بالبنطال، لم يكن في ذلك مشكلة، المشكلة حقا هي صورة الفتاة المنتقبة، التي أظلمت وجهها في صورتها بالحجاب، مع إنحناءه مريبة لرأسها، جعلتني أشعر أنني أشاهد فيلما من أفلام الرعب.

وإني خائف.

(2)

تقول صديقتي إنها ارتدت النقاب والملحفة \”أوسع ما خلق من الثياب\” لخمس سنوات متتالية، لم تسلم فيهم من التحرش.

عندما تأتي الضربة من الأقربين تكون أنفذ وأمر من ضربة الغريب، وهذا ما حدث في حالة بوستاتنا هذه، صنعتها فتيات لتوجه بها الطعنة النافذة لبني جنسها، ولكل من حارب من أجل حرية المرأة في إرتداء الثياب التي تريدها.

لحسن الحظ لا يقع بيتي قريبا من مقبرة قاسم أمين أو هدى شعراوي، فأسمع تأوهاتهم في قبورهم.

(3)

المتحرش صاحب نفسية مريضة، فهو أشبه بحساسات المعادن الموجودة في البنوك والفنادق والأماكن الهامة، لكن بالطبع المعادن لا تثيرة، ما يثيرة هو الأنثى، بمجرد أن يرى أنثى تتحرك أمامه، أيا كان نوع ملابسها، تثار غرائزة ويجهز نفسه للإنقضاض عليها، فيقنتصها بنظراته، لتبدأ مرحلة إستعراض قدارته التخلفية، التي تبدأ بالشتائم المخزية وصولا إلى اللمس، وربما الإغتصاب.

ربما يكون حديث هؤلاء البنات صحيحا، فمن الوارد، أن يتعرضوا لتحرش أقل نوعا ما، لكنه بالضرورة لن يزول عنهن، فليس لأجل القضاء على التحرش تفقد المرأة آدميتها وترى في نفسها مجرد شهوة لابد أن تُغطى، بالطبع سيدرك المتحرش ذلك فيستمر في تحرشه.

(4)

حدث أن أرسلت بعض الفتيات لصاحبات \”البوستات\” رسائل موضوعية تكشف خطأ وزيف وخطورة ربط ظاهرة التحرش المرضية بالثياب، بالطبع لم تكن هناك فرصة للنقاش الجاد، بعد أن جاء الرد غنيا بسب الأب والأم، مصحوبا بالخاصية المحببة لنفوسنا \”البلوك\”.

(5)

نظرية \”الحلوى والذباب\” التي يتبناها شيوخ السلفية تلقي بظلالها علينا، لكن هذه المرة من يتبناها هم المخاطبون بها من الفتيات، اللائي يتفاخرن بتبنيهن لهذه النظرية المتخلفة، ويدعين بني جنسهن لمشاركتهن في فعلهن، حتى يتم القضاء على التحرش، وكأن البنت هي صاحبة الإثم وليس المتحرش بها! فمجرد أن تولد بنت مصرية، لهو ذنب عظيم يفرض عليك أن ترتدي نوعا معينا من الثياب!

لا يجد شيوخ السلفية ضررا من تشبيه أنفسهم بـ \”الذباب\”، الذي لم يلق حتى مكانة المتحرش، فقد رأيت كثيرا من المتحرشين، لا أعلم كنههم الحقيقي، لكنهم يشبهون بني آدم. لكن هل يخضع كبرياء الأنثى لتشبيههم لها بـ \”قطعة الحلوى\”؟!

(6)

خطورة \”بوستات\” قبل وبعد الحجاب أو النقاب، هي أنها يمكن أن تصبح على المدى الطويل عرفا ثابتا، يرسخ في ذهن المتحرش ذاته، فينحصر التحرش في المرأة التي لا تغطي شعرها، أو التي تبرز مفاتنها، فندفع دفعا إلى مصير باكستان.

(7)

من البديهيات، التي توصلت إليها البشرية قبل قرون \”حرية المرء في إرتداء ما يفضله\”.. بالطبع هذه الحرية مكفولة لصاحبات \”البوستات\”، فليتردوا ما يشأن دون أن يكنّ سببا في التنظير لربط ملابس المرأة بالتحرش التي تتعرض له، واللاتي بالطبع ستطالهن نيرانه، كما تطال كل أنثى مصرية.

(8)

قد يظن القارىء، أن العنوان سيحمل أسفله تنظيرة عقيمة عن أن الحجاب ليس من الإسلام في شىء. لست من الذين يفسرون الدين، لكني بحكم دراستي للقانون أعلم تمام العلم، بل وأعاني، من الكلمات التي تقبل التأويلات والتفسيرات المختلفة، ولذلك لا أستعجب مطلقا عندما أرى البعض يفسر نصوص الحجاب الواردة في القرآن الكريم على أنها فرضت الحجاب، بل والنقاب على المرأة المسلمة، ويفسرها البعض الآخر على أنها لم تفرض أي زي معين على المرأة، لكل فيهم رأيه الخاص، ولي رأيي، كما يفترض أن يكون لكل إنسان.

\”اقرأ\” وصية الله العظيمة، أول ما نزل من القرآن، وأقل ما طُبِق منه.

(9)

\”أكيد في جيل أوصافه غير نفس الأوصاف، إن شاف يوعي، وإن وعي ما يخاف\”.. مقطع من قصيدة عبدالرحمن الأبنودي الأعظم \”الأحزان العادية\”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top