محمد محمود يكتب: ختنوكي فقالوا.. وهم العفة!

(1)
90%:

ليس هذا مجموع طالب في الثانوية العامة، لكنها-وفقا للإحصاءات- نسبة الإناث اللاتي يتعرضن للختان في البقعة المسماة \”مصر\”، لم أكن أتخيل ولو لحظة أن أجد مثل هذه النسبة، وهو ما دفعني للتساؤل: هل تم ختان مصر؟
لا يوجد تفسير منطقي، لنسبة الـ \”90%\”، سوى أن مصر قد تم ختناها، ومن ثم ورّثت هذه العادة إلى السواد الأعظم من بناتها، بحكم أن \”مصر هي أمي\”، كما علمونا في الأغاني –يسمونها كذلك- الوطنية.
(2)
أمريكا تصنع الرعب أفلاما، بينما نحن نصنع من الرعب واقعا نعيشه:
كأي أب وأم، ليس لهم نصيب من الأمومة والأبوة، سوى الاسم المدون في شهادة الميلاد، يرون ابنتهم تكبر أمام أعينهم، تتغير ملامحها، وتزداد أنوثتها يوما عن يوم، وأثناء ذلك يبدأ وعيها الحقيقي في إدراك العالم الخارجي، تكون هذه المعالم كافيه ليتخذوا قرارهم الوحشي، بتشويه أعضاءها التناسلية فيما يسمونه \”الختان\”، مدعين بذلك أنهم يعفونها ويحمونها من نفسها، ومن رجال العالم الذين يطمعون في جسدها.
لن يكترث الأب والأم، سوى بأجر الطبيب الذي سيجري عملية التشوية لابنتهم، أما الابنة فتجري في مدارات عالمها الجديد، تكتشف الحياة، فتتعرقل أثناء جريها بمجرم يضفي على نفسه لقب \”دكتور/ة\”.
مجرد تخيل أن يقتادك أهلك إلى شخص غريب، يقيدونك، ويخلعون ملابسك، ثم يقوم هذا الشخص الغريب باقتطاع جزء منك، بدعوى أن هذا سيسبب لك العفة، هو أمر مرعب، لولا \”الغدر\” الذي يقوم به الأهل تجاه بناتهم، لقضت البنت كل وقتها في التدبير للهروب أو لقتل هذا الطبيب قبل أن يقوم بتشويه جسدها.
(3)
أبناء العجز والإهمال والتردي.. يقتلهم أهلهم:
يعتقد الأهل أنه لا قيمة للبنت إلا بشرفها، فلابد أن تحتفظ بغشاء بكارتها، وتتخلص من أعضاءها التناسلية الخارجية، إلى أن تذهب إلى بيت زوجها، ومن ثم تفعل ما تشاء، ليصدمها الواقع بأنها –غالبا- ستلقى قمعا أسريا في بيت زوجها، أكثر من الذي كانت تتلقاه في بيت أهلها.
بالطبع، لن تسترد البنت أعضاءها المبتورة بعد عملية \”الختان\”، لكن الأمر في أحيان كثيرة، لا يتوقف عند هذا، فمن الممكن ألا تسترد حياتها كاملة، لا أعلم إن كان أهل الطفلة \”سهير الباتع\”، البالغة من العمر 13 عاما، فكروا في احتمال فقد الحياة، قبل أن يذهبوا بابنتهم، إلى طبيب الختان، الذي أودى بحياة ابنتهم بصحبة أعضائها التناسلية المبتورة.
(4)
قتله متسلسلون.. على الدرب سائرون:
عوقب الطبيب قاتل \”سهير الباتع\” بالحبس سنتين، وهي العقوبة التي قدرتها له المحكمة، ومن قبلها القانون عن تهمة \”القتل الخطأ\”.
(5)

فاصل سينمائي:
\”القاضي كان ناقصة الدقن\”.. جملة حوارية من فيلم \”طيور الظلام\”.

(6)
اضحك مع القانون:
يقف القانون المصري، موقف المتفرج من جريمة الختان كجزء، ومن العنف المجتمعي ككل، ففي عام 2008، تدخل المشرع المصري، ليبهرنا، بإضافة مادة إلى قانون العقوبات، تجعل عقوبة الختان الحبس بين 3 أشهر وسنتين، أو الغرامة التى تتراوح بين ألف وخمسة آلاف جنية.
(7)
المشرط لا يشوه الأعضاء التناسلية وحدها:

يزول وجع عملية الختان بعد عدة أيام، تنزف الأنثى أثناءهم كمية من الدماء تكفي لإنقاذ حياة عدد من المرضى، لكن هذا وجع الجسد، فماذا عن وجع الروح؟! هذا الأخير لا يزول أبدا.
(8)
معركة \”حياة أو موت\”.. تنتهي دائما بالموت:

الميلاد في مجتمع متخلف، مأساة في ذاته، وعندما يكون المولود \”أنثى\”، تصبح المأساة مأسي متعددة، فليست تشوهات الروح والجسد الناتجة عن الجريمة المسماة \”الختان\” وحدها هى ما تلازم الأنثى إلى الأبد، يلازمها أيضا انتظار من قاموا بتشويهها، ومن ورائهم المجتمع بأكمله، أن تصير إنسانه سوية، يشكلون هذه المعركة الظالمة، ثم يجبرون الأنثي \”ضحيتهم\” على دخولها، يهزمونها، ثم يفرحون بهزيمتهم، بل ويشعرون أنهم أدوا مهمتهم على أكمل وجه!
بالطبع الله \”العدل\” يدرك ذلك، وسينتصر للأنثى يوما ما، أرجوك يا الله: لا تؤخِر هذا اليوم.
(9)
10%:
إذا كان 90% فقط من الإناث، هن من يتعرضن لعملية الختان، فأين الـ \”10% الباقية؟ ولماذا لم يتعرضن للختان مثل بقية بني جنسهن، ومثل مصر؟ هل هؤلاء من أنجبتهم مصر في الحرام؟
هم كذلك في عرف مشوهي الأذهان، هؤلاء الذين يخرجون تشوهاتهم على أجساد بناتهم، أما في عرفنا، فيخبرنا \”مصطفى إبراهيم\” بمن أنجبتهم مصر سفاحا، في قصيدته \”حصر مصر\” فيقول:
\”بعد طرحك مـ الحساب، للعساكر والكلاب، والأرانب والفيران، والأجانب والغيلان، والأرايل والقرون، والمرايل والدقون.. اللي فاضل يا أفاضل هو ده تعداد وحصر، للعيال اللى جابتهم في الحلال، الست مصر\”.
– لم يخطر ببالي أن يكون \”اللي فاضل\” 10% فقط! اللى فاضل مش كتير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top