محمد غنيمي يكتب: الخطيئة الثامنة: لا تستيقظ إلا عندما يؤذن لك

 

– \”أنا بقى لي عشرين سنة مابخرجش برة البيت.. أيامها كان الطلبة عاملين مظاهرات.. مشيت معاهم لحد ما البوليس ضرب نار، خفت.. جريت لحد ما تعبت، وقفت آخد نفسي.. سمعت صوت بيقولي:

\”يا يوسف ارجع بيتك\”

بصيت ورايا  لقيت راجل طويل، لابس بالطو وحاطط إيديه في جيوبه، وبيبصلي قالي تاني:

\”يا يوسف ارجع بيتك أحسن لك\”

ومن يومها ظل يوسف قابعا في منزله لا يخرج إلا للعمل، لكنه وبعد عشرين عاما، يستيقظ دون أن يرن المنبه.

– 24 ساعة هي يوم في حياة الموظف يوسف كمال يوم جمعة، كان يجب أن ينام فيه، لكنه استيقظ خطأ ظنا أنه يوم عمل، ليذهب في رحلة، تخرجه من قوقعته التي عاش فيها طوال عقدين، ظنا منه أن هذه هي الجنة المزعومة أو المكان الآمن له.

– منذ بداية الرحلة، يقضم يوسف التفاحة.

\”تعرف أنها أميرة من الأسرة المالكة وحفيدة الأمير محمد علي\”

\”اسمها إيه\”

\”الأميرة رضا\”

رضا أو عبلة أو نجوى أو منى.. الطعم الذي يلقيه له سيد مرزوق حتى لا يعود يوسف لمنزله، ويظل لصيقا به.. سيد الذي يتلاعب بيوسف بحكاياته عن الفتاة التي أحبها، والتي أعجب بها يوسف، والتي يؤكد ليوسف بعد كل حكاية أن حكايته كانت كذبة، لكن يوسف يظل مصدقا له أسيرا لحكاياته وعالمه عن هذه الفتاه التواقه دائما إلى السفر، الباحثة دائما عن وسيلة للهروب من هذا الواقع، فسيد مرزوق يستطيع فعل أي شيء.. سيد مرزوق يستطيع إيقاف سفينة سياحية في قلب النيل لإجراء مكالمة تليفونية, يستطيع بكل سهولة الهرب من الشرطه التي تصر على مراقبته دائما من أجل حمايته ممن يتربصون به، ويريدون قتله، بل إن سيد مرزوق يعرف كل شيء عن يوسف.. أين يسكن وتاريخ ميلاده، ولا أحد يهتم بيوسف في عيد ميلاده إلا سيد مرزوق الذي يأخذه إلى عوالم لم يرها أو يتخيلها من قبل.. سيد مرزوق الذي قبل أن يغمض يوسف عينيه يتمتم \”انا عايز سيد مرزوق\” ليفتحها على صوت الجوقه المصاحبه لسيد وهي تغني.

– \”سيد مرزوق لو دخل مكان أو حتى مر بشارع، بتلاقي حد عارفه وفاكره, سيد مرزوق ده عالم متدخلوش بالسهل، أول ما تعرفه تتلخبط فيه، وبعد كده تكتشف أن كل اللي تعرفهم يعرفوه، بس كان الجزء ده مستخبي عنك، لأنك بره عالم سيد مرزوق, لما تدخل العالم ده تكتشف إن في حاجة مش عادية.. كان فيه شيء سحري أحيانا بيتهألي إن سيد ده عنده قوة غير عادية\”

– \”أنا بحب سيد مرزوق\”

وهكذا سقط يوسف في عشق سيد مرزوق، فقرر أن يبحث عنه دائما، وألا يرجع إلى بيته.

– \”تعرف إننا محظوظين.. محدش شاف سيد مرزوق وهو نايم\”

تلك هي أولى اللحظات التي يشعر فيها يوسف أن سيد اصطفاه دونا عن الباقين ليكون نديمه، ويشعر فيها المقدم عمر بالقلق من هذه الصله بين سيد مرزوق الذي لا ينام ويوسف الذي لا يجب أن يستيقظ.. هذان العالمان لا يجب أن يتداخلا ويجب أن يرجع يوسف إلى بيته.

– \”وأنا صغير، كنت مهراجا.. كان عندي فيلا.. فيل حقيقي صغير, كان عنده كسوه وزينه جايه من الهند, كنت البس لبس مهراجا هندي واركبه في جنينة البيت, الجنينة كانت تقريبا جنينة حيوانات, مرة عبد الناصر قال لابويا: إيه يا مرزوق.. أنت عامل جنينة حيوانات قطاع خاص, أبويا قعد مهموم، وسألته: مالك؟ قالي خايف ولاد الكلب يأممونا\”

وأممهم ولاد الكلب.

سيد مرزوق ليس سعيدا كما يبدو، بل هو أيضا في رحلة بحث لا تنتهي, يبحث عن الفيل الذي كان يمتلكه وهو صغير، وهو في سبيل وصوله إلى هذا الفيل يتلاعب بمصائر الآخرين.. يعطيهم الأمان لكي يأخذوا ما يريدون من ممتلكاته، بل ويستتمتع برؤيتهم وهم يتشاجرون عليها, يتلاعب بمشاعر يوسف تجاه الفتاه التي اعجب بها, يقتل عازف البيانولا البسيط \”عبد الله شابلن الأصلي\”، الذي كان يضفي البهجة بموسيقاه في الشوارع الجانبية، و يلفق التهمة ليوسف, يوسف الذي احبه.

– \”الناس 4 أنواع: السادة، ودول اللي بيعملوا اللي هما عايزينه, والمطاريد، ودول البوليس دايما وراهم, والغلابة، ودول دايما في حالهم قاعدين في بيتهم ماشيين جنب الحيطة، ودول مش من حقهم يعيشوا إلا في حدود معينة ومالهمش دعوة باللي بيجرى حواليهم.. عايز تبقى من أنهي نوع؟

والنوع الرابع؟

المشاغبين اللي المفروض يبقوا في حالهم ومش عايزين يبقوا في حالهم، ودول أخطر نوع.

– \”هاقتلك يا سيد يا مرزوق\”

في اللحظه التي يقرر فيها يوسف قتل سيد مرزوق، تبدأ الشرطة في مطاردته, مطاردة غاشمة, برجالها ومخبريها, وخيولها وكلابها, تقتحم حضّانة \”سليمان الحكيم\” التي صنعها لطفلته, تدفع بيوسف إلى الهرب إلى القاع.. إلى مقلب الزبالة, لكن يوسف لم يعد ذلك الجبان الذي كانه في بداية اليوم.. يوسف الآن مصاب برصاصة في معركة أجبره المقدم عمر على الاشتراك فيها، ولم يكن له فيها ناقه ولا جمل, يوسف الآن أدرك أن القيد الحديدي الذي كبله به المقدم عمر من السهل جدا نزعه, عكس ما تخيل, يوسف الآن فقد ثقته في سيد مرزوق، بل وشعوره بالأمان وهو في كنفه, يوسف الآن لم يعد من النوع الثالث.. لم يعد من الغلابة، واصبح من المشاغبين.. ليس له هدفا إلا أن يجد سيد مرزوق ويقتله، أو هكذا تخيل.

– يفشل يوسف في الضغط على الزناد وقتل سيد مرزوق، ويواصل سيد مرزوق رحلته في البحث عن الفيل، وتموت ابنة سليمان الحكيم عندما تدنس حضّانتها بيادات الشرطة, وتهرب منى خارج مصر، ويصبح عمر وزيرا للداخلية، ويتم القبض على كل عازفي البيانولا بتهمة عزف موسيقى بدون تصريح، ويواصل يوسف هروبه من كلاب الشرطة وخيلها، ولا يعود إلى حياته السابقة، لأنه أخطأ عندما استيقظ دون أن يرن المنبه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top