ذوو الإعاقة وقضية يتم تناولها واستخدامها بين السرقة والتجارة والاستغلال:
بعد أن انتبه الدستور المصري إلى فئة ذوي الإعاقة المهمشة في الدولة من قبل النظام والحكومة على مدار سنوات طويلة، قرر من قاموا بوضع الدستور وكتابته، وضع المواد التي تخص هذه الفئة كخطوة أولى على الطريق الصحيح، ليستطيع ذوو الإعاقة المطالبة بحقوقهم المنهوبة من الحكومة بكل الطرق القانونية والسياسية.
كانت من أهم المواد التي وضعت في الدستور، حق الشخص من ذوي الإعاقة في ممارسة العمل السياسي ليكون لذوي الإعاقة في مصر صوت سياسي مسموع يبدأ من داخل البرلمان المصري ولا ينتهي إلى أن يستردوا حقوقهم كاملة ليعيش كل ذوي الإعاقة في مصر مستورين ورافعين رؤسهم بكرامة عندما يشعرون بأنهم مواطنين مصريين لديهم واجبات وعليهم حقوق، لا على أنهم عالة على الدولة ولا المجتمع.
بعد انتخابات الرئاسة، شعرنا بأن رئيس الجمهورية يشعر بهذه الفئة، وبدأ يلفت لها الأنظار، عندما استضافت مصر دورة الألعاب الأوليمبية الخاصة بذوي الإعاقة، وقتها صرح الرئيس بأن الدولة ستقوم ببناء مدينة خاصة بذوي الإعاقة، وقام الإعلام بدوره المعهود في التطبيل للرئيس الإنسان الطيب العسلية اللي شايل ذوي الإعاقة في عينه، وكان مع هؤلاء فئة كبيرة من ذوي الإعاقة قامت بمساندة الإعلام في هذا الفرح وشكروا جميعا السيد الرئيس على هذا القرار الحكيم.
وبعد أن علم الرئيس بأن الميزانية لهذه المدينة ستكلف الدولة أكثر من 5 مليار جنيه تراجع عن قراره قائلا إن الفكرة كانت خاطئة من البداية، وأن ذوي الاعاقة لا يجب عزلهم في مدينة مغلقة عليهم عن بقية الشعب، وأن الطبيعي هو ادماج ذوي الإعاقة في المجتمع كأشخاص طبيعيين، ومن ثم تم نصب الفرح الإعلامي مرة أخرى للثناء على قرار الرئيس الحكيم، حتى بعض أصدقائي ممن شكروا الرئيس على القرار الحكيم ببناء المدينة، كانوا هم أنفسهم من شكروا الرئيس على هذا القرار الحكيم مرة أخرى بعدم بناء هذه المدينة!
استغل الرئيس قضية ذوي الإعاقة لصالحه كأفضل استغلال إنساني لكسب تعاطف الشعب معه، خاصة مع مكالمته التليفونية الشهيرة لشاب رياضي مصري من ذوي الإعاقة اسمه منعم، بعد أن اجرى الرئيس معه مداخلة تليفونية وقال له: \”إحنا بنتحامي فيكم يا منعم لأنكم ملايكة بتمشي على الأرض\”، ورد عليه منعم قائلا: أنا بحبك أوي يا ريس، فرد عليه السيسي: وأنا بحبك أوي يا منعم.. دباديب وقلوب بقى وكده، وجسمي قشعر كمشهد حسين رياض وعبدالحليم حافظ وهو بيقوله: انت اللي هتغني يا منعم.
وبعد أن استغل الرئيس قضية ذوي الإعاقة وتأكد أنها قضية كبيرة يصعب عليه حلها، ألقاها على اكتاف رئيس الوزراء –وقتها- إبراهيم محلب، فقرر محلب حل مشكلة البطالة لنا، وعمل مؤتمرا كبيرا دعا فيه كل أصحاب الشركات الخاصة، وطلب منهم توفير فرص عمل لهؤلاء الأبطال نور عين الرئيس السيسي، وهنا كانت المفاجأة، أن الوظائف التي وفرها أصحاب الشركات لذوي الإعاقة كانت عبارة عن موظفين أمن وعمال نظافة وبوفيه وسعاة، وهي جميعا وظائف لا تتناسب مع القدرات الصحية والجسمانية لنا، فغضب الشباب وفشل المؤتمر، وانتهى بفض المؤتمر بالقوة!
بعدها قررنا نحن الشباب ذوو الإعاقة تكوين فريق منا يتحدث نيابة عنا ويتكلم باسمنا للتفاوض مع الحكومة، فكان هناك 11 شخصا من مختلف المحافظات تقابلوا مع محلب أكثر من مرة في أكثر من اجتماع، وكلها اجتماعات ومفاوضات باءت بالفشل لعجز الحكومة عن توفير فرص عمل أو حتي سكن مناسب في المدن الجديدة، وغيرها من الحقوق، فأعلن عن تقديم 5000 فرصة عمل لذوي الإعاقة، وبدأنا جميعا في تجهيز الأوراق ثم التقديم منذ حوالي عام، حيث تبين أن العدد الذي قام بالتقديم بلغ حوالي 165 ألف شاب من ذوي الإعاقة، ومن ثم كانت المماطلة والتأجيل، ثم التأجيل الذي يتبعه التأجيل، إلى أن اتضح أنه هروب من القضية لإلقائها برمتها كاملة على عاتق من سيأتي بعده لرئاسة مجلس الوزراء، ثم جاء رئيس الوزراء الحالي شريف إسماعيل، والذي بدأت إنفراجة للأزمة معه، بعد أن تم تعيين 5000 شاب من أصحاب الواسطة والمحسوبية، لكن يبقى السؤال الأهم، وهو: أين بقية العدد؟ وماذا عن 160 ألف من ذوي الإعاقة الذين ممن ليس معهم واسطة، وينتظرون في الطابور للعمل، ليعيشوا بكرامة؟ وماذا عن بقية الحقوق الأخرى ومتطلبات الحياة لذوي الإعاقة؟
لن اتكلم كثيرا عن المنزل الكبير الذي من واجبه ودوره المنوط به أن يجمع كل ذوي الإعاقه في مصر ويتكفل بهم لرعايتهم وحماية حقوقهم، وهو المجلس القومي لرعاية شئون ذوي الإعاقة في مصر، وهو كعدمه، لأن معظم ذوي الإعاقة لا يعلمون عنه شيئا سوى الاسم، وغيرهم لا يعلم حتى اسمه، وما هو دوره وعمله وواجبه الذي يقوم به، فهو مكان عنصري وطبقي، يخدم مصالح من يعملون به فقط، وهم جميعا منقسمون ومهتمون بالصراعات الداخلية للمجلس لرئاسته وشغل مناصبه، ولا أحد منهم يهتم بالقضية الأساسية التي من أجلها يجلس على كرسيه ويتقاضى راتبه، من أجل خدمة ذوي الإعاقة ورعاية حقوقهم. وليس بجديد على الجميع إن قلت لكم إن هذا المجلس ليس عنده إحصائية محددة بعدد ذوي الإعاقة في مصر، ولا يعرف عنهم أي شيء، فكيف له أن يراعي حقوقهم؟
يبقى لنا الفئة الأخيرة ممن يتحدثون عنا، ويكونون عونا لنا وصوتا سياسيا لنا داخل البرلمان المصري، وهم ثمانية تحت القبة، وهؤلاء تم اختيارهم بعناية ودقة من البداية من الأجهزة الأمنية في مصر، فكيف يكون 8 نواب ممثلين لذوي الإعاقة في كل مصر 7 نائبات إناث ورجل واحد؟! هل هذه صدفة أم اختيار متعمد أن يتم طمس ملامح هذه الفئة وكتمان صوتها بحيلة ذكية؟!
اعلم تمام العلم أن هؤلاء النواب معظمهم ليس له علاقة بالعمل السياسي ولا مهتمين بممارسته وباعترافات بعضهم، وإنما تم اختيارهم للقوائم من باب الوجاهة الاجتماعية لكل حزب أو قائمة ممن يمثلونها، فكلهم تم اختيارهم لأنهم يمارسون الألعاب الرياضية وأصحاب بطولات وميداليات، فكانت هذه المناصب مكافأة وتكريما لهم، وتم استبعاد الشباب من الذكور من ذوي الإعاقة ممن يهتمون بالعمل السياسي.
بدأت النائبة فايزة محمود إثبات وجودها للقائمة التابعة لها \”في حب مصر\”، وقامت بمجاملتهم على حساب القضية الأساسية التي بسببها دخلت هذا المكان وجلست على الكرسي، حيث هاجمت أصدقاءها من ذوي الإعاقة الذين يتظاهرون مطالبين بحقوقهم، وفتحت عليهم النار بتصريحاتها المستفزة، وكأنها واحدة من المسؤلين الكبار في الدولة! وقالت إنها لا تعلم لماذا يتظاهر هؤلاء الشباب بعد أن اصبح لهم صوت يمثلهم داخل المجلس؟! وأن هذه التظاهرات لذوي الإعاقة تهدد الاستقرار والأمن القومي! وأن على المتظاهرين أن ينظروا لمن مثلهم في سوريا والعراق، لأنهم يستخدمون لتنفيذ العمليات الانتحارية بالأحزمة الناسفة، كما كانوا يستخدمون في مصر للتظاهرات لصالح جماعات أو حركات!! وهذا الكلام الفارغ لا يستحق عناء الرد عليه ممن يسفهون من عقول ذوي الإعاقة وقدراتهم.
هذه النائبة التي تمارس الرياضة وحصلت على بعض الميداليات في البطولات داخل مصر وخارجها، وكنا نفتخر جدا بها، وننشر لها بطولاتها على صفاحاتنا الشخصية، كانت أول من يطلق علينا الرصاص عندما وصلت للكرسي، وكنت أنا أول من شعر بالندم لتأييدي لها، بعد أن خذلتنا.
ومن بعدها تناوبت علينا الدكتورة جهاد إبراهيم، التي احمل لها كل معاني الاحترام والتقدير على المستوى الشخصي، والتي تم تعيينها من رئيس الجمهورية كممثلة لنا في البرلمان وكتكريم لها لأنها بطلة في السباحة، قامت هذه النائبة بالتصوير السيلفي وهي ترسم بيدها إشارات قلوب وحب ودباديب، وكأننا نشاهد كارتون باربي في البرلمان، وبعد أن هاجمها أصحابنا من ذوي الإعاقة، بأنها وصلت لهذا المنصب والمكان لخدمة قضيتنا ومصالحنا بدلا من تصوير مشاهد فيلمها الجديد \”سندريلا والعوكش\”، كان الرد منها في اليوم التالي أكثر استفزازا لهم، حيث اخذت تلتقط لنفسها صورا جديدة وهي ترفرف بيدها في الهواء، وهي جالسة في مقعدها داخل البرلمان، وتصورت نفسها وردة وهي تغني \”واطير وارفرف في الفضا\”.
ثم قررت النائبة جهاد إبراهيم أن تتكلم وتتحفنا بتصريحاتها النارية، فكان أول ما قالت: \”إننا هنحل مشاكل البلد بالحب\”، وكأنها تسير على خطى الرئيس في الأحاسيس والمشاعر والحب وكيوبيد وباربي!
لو كان هناك نية حقيقية لتمثيل ذوي الإعاقة في البرلمان من أجل حل مشاكلهم بالفعل، لكان هناك لجنة خاصة بنا ممثلة من نوابنا الممثلين، وذلك مثل باقي اللجان المهمة في البرلمان، لكنه تمثيل شكلي فقط من أجل الوجاهة والتمثيل على ذوي الإعاقة، لا تمثيلهم.
لذلك فقدنا الأمل فيهم كلهم سريعا بعد هذه التصريحات والتصرفات الطفولية، ونسيان وتجاهل القضية الرئيسية وأصحابها ممن يعانون لتحقيق مطالبهم ليحصلوا على حقوقهم.
أما باقي النواب الستة الآخرين، فلم نعرف حتى الآن اسماءهم، ولم نسمع صوتهم، ونتمنى ظهورهم في القريب العاجل إن شاء الله، فكل هؤلاء ظلمونا وسرقونا واستغلوا قضيتنا وتاجروا بها.
أخيرا.. وبعد أن وصلنا إلى مرحلة اليأس الحقيقي، وبعد أن فقدنا الأمل في كل المسؤلين وكل من وعدونا وكل من مثلونا ليصبحوا صوتنا، وشعرنا بسرقة حقوقنا والتجارة بقضيتنا من كل المسؤلين، من أول رئيس الجمهورية إلى نواب ونائبات الدهر والبرلمان، ليس لنا إلا الله لنشكو له ما بنا، لكن ليعلم الجميع أن هذا الوضع على سرقة حقوق ذوي الإعاقة وظلمهم، لن يستمر طويلا، فهل ينتظر المسؤلين في مصر أن يقوم أحد المتظاهرين بحرق نفسه أمام قصر الاتحادية أو البرلمان؟ ومن ثم تشتعل الثورة مرة أخرى؟ هل تنتظرون بوعزيزي جديد في مصر ليحرق كل عروشكم ومناصبكم وتنقلب أحوال البلاد والعباد؟
بالظلم والقمع وكتم أصوات المظلومين، لن يأتي الاستقرار، وإنما مع الوقت يكون الانفجار.. وقتها لا تلوموا على المظلوم إذا غضب وانفجر، لأنكم وافقتم من البداية على الظالم عندما ظلم وفجر.
ذوو الإعاقة ولادك يا مصر.